للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{ذاتَ الْيَمِينِ}؛ أي: جهة (١) ذات يمين الكهف عند توجه الداخل إلى قعره؛ أي: جانبه الذي يلي المغرب، فلا يقع عليهم شعاعها، فيؤذيهم؛ لأنّ الكهف كان جنوبيًا؛ أي: كانت ساحته داخلة في جانب الجنوب، أو زوّرها الله عنهم، وصرفها على منهاج خرق العادة، كرامةً لهم، وحقيقتها: الجهة ذات اسم اليمين؛ أي: الجهة المسماة باسم اليمين، {وَإِذا غَرَبَتْ}؛ أي: تراها عند غروبها. {تَقْرِضُهُمْ}، أي: تقطعهم وتتركهم {ذاتَ الشِّمالِ}؛ أي: جهة ذات شمال الكهف، أي: جانبه الذي يلي المشرق، وجملة قوله: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} في محل نصب على الحال؛ أي: والحال أنهم في فجوة متسع من ذلك الكهف، ووسطه، فيصيبهم نسيم الهواء وبرده.

وخلاصة ذلك (٢): أنهم طول نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها، ولا في غروبها، إذ كان باب الكهف في مقابلة بنات نعش، فهو إلى الجهة الشمالية، والشمس لا تسامت ذلك أبدًا، لأنّها لا تصل إلى أبعد من خط السرطان، وكل بلاد بعده إلى جهة الشّمال تكون الشمس من ورائها لا أمامها، فيكون الظلّ مائلًا جهة الشمال طول السنة، كما يعلم ذلك من علم الفلك، وإيضاح ذلك أنه لو كان باب الكهف في ناحية الشرق، لمّا دخل إليه شيء منها حين الغروب، ولو كان من ناحية الجنوب، لما دخل منها شيء حين الطلوع ولا الغروب، وما تزاور الفيء لا يمينًا ولا شمالًا، ولو كان جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع، بل بعد الزوال، ولا تزال فيه إلى الغروب.

تنبيه: وهنا إشكالٌ لأنه قد تقدّم في القصة أنّ الملك الظالم الذي فرّوا منه بنى على باب الكهف سدًّا، وقال: لكي يموتوا جوعًا وعطشًا، وأنّ السد استمرّ عليهم مدة لبثهم نيامًا، وأنّ الملك الصالح اجتمع بهم حين تيقّظوا، وبنى على باب الغار مسجدًا، بعد موتهم، وصريح هاتين الآيتين يردّ هذا ويبطله، إذ لو كان


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.