للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك لأنهم رأوا في أنفسهم غير ما يعهدونه في العادة.

أي: وكذلك بعثناهم لتكون عاقبة أمرهم أن يسأل بعضهم بعضًا، فيقول قائل منهم لأصحابه: كم لبثتم؟ ذاك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم {قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}؛ أي: قال بعضهم جوابًا عن سؤال من سأل منهم: لبثنا يومًا أو بعض يوم، ظنًا منهم أنّ الأمر كذلك، قال المفسرون: إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله سبحانه آخر النهار، فلذلك قالوا يومًا، فلما رأوا الشّمس قالوا: أو بعض يوم، وكان قد بقيت بقية من النهار، {قالُوا}؛ أي: قال (١) بعض آخر منهم بما سنح لهم من الأدلة، أو بإلهام من الله {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ}؛ أي: أنتم لا تعلمون مدة لبثكم؛ لأنها متطاولة ومقدارها مبهم، وإنما يعلمها الله تعالى، وبه يتحقق التحزب إلى الحزبين المعهودين فيما سبق، وهذا من الأدب البارع في الرد على الأولين بأحسن أسلوب، وأجمل تعبير، وحين علموا أنّ الأمر ملتبسٌ عليهم، عدلوا إلى الأهم في أمرهم، وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب فقالوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ}؛ أي: بدراهمكم {هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} وهي: طرسوس - بفتح الراء - كما جزم بذلك فخر الدين الرازي، قالوه إعراضًا عن التعمق في البحث عن مدة لبثهم؛ لأنه ملتبسٌ لا سبيل لهم إلى علمه، وإقبالًا على ما يهمهم بحسب الحال، كما ينبىء عنه {الفاء}، والورق: الفضة مضروبةً أو غير مضروبة.

وفي قولهم: {هذِهِ} إشارة (٢) إلى أنّ القائل كان قد أحضرها ليناولها، بعض أصحابه، وإلى أن التأهب لأسباب المعاش بحمل الدراهم، ونحوها لمن خرج من منزله، لا ينافي التّوكّل على الله كما جاء في الحديث «اعقلها وتوكّل» وقرأ أبو (٣) عمرو، وحمزة، وأبو بكر، والحسن، والأعمش، واليزيديّ، ويعقوب في رواية، وخلف، وأبو عبيد، وابن سعدان: {بوَرْقِكُم} بإسكان الراء، وقرأ باقي


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.