الله عن أوليائه {أَعْثَرْنا}؛ أي: أطلعنا {عَلَيْهِمْ}؛ أي: على أحوال أهل الكهف الفريق الذين كانوا في شك من قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، وفي مرية من إنشاء أجسام خلقه كهيئتهم يوم قبضهم بعد البلى {لِيَعْلَمُوا}؛ أي: ليعلم الفريق الذين أعثرناهم على أحوالهم العجيبة، وهم الملك ورعيته {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ} تعالى بالبعث للروح، والجثة معا {حَقٌّ}؛ أي: صدق لا شك فيه، بطريق أن القادر على إنامتهم مدة طويلة، وإبقائهم على حالهم بلا غذاء، قادر على إحياء الموتى، قال بعض العارفين: اليقظة بعد النوم علامة على البعث بعد الموت. {وَ} ليوقنوا {أَنَّ السَّاعَةَ}؛ أي: القيامة مع ما فيها من الحساب والجزاء آتية {لا رَيْبَ فِيها}؛ أي: لا شك في مجيئها، إذ لا حجّة لمن أنكرها إلا الاستبعاد، ولكن وقوع ذلك الأمر العظيم، وعلمهم به مما يخفف من غلوائهم، ويكبح جماح إنكارهم، ويردهم إلى رشدهم.
ذلك أن حال هؤلاء الفتية في تلك الحقبة الطويلة، وقد حبست عن التصرف نفوسهم، وعطلت مشاعرهم وحواسهم، وحفظت من التحلل والتفتت أبدانهم، وبقيت على ما كانت عليه من الطراوة والشباب، ثمّ رجعت بعدئذ تلك المشاعر والحواس إلى حالها، وأطلقت النّفوس من عقالها، وأرسلت إلى تدبير أبدانها، فرأت الأمور كما كانت، والأعوان هم الأعوان، ولم تنكر شيئًا عهدته في مدينتها، ولم تتذكر حبسها المدى الطويل عن التصرف في شؤونها، وحال الذين يقومون من قبورهم بعد ما تعطلت مشاعرهم، وحبست نفوسهم، من واد واحد في الغرابة، ولا ينكر ذلك إلا جاهل، أو معاندٌ، ووقوع الأول يزيل الارتياب في إمكان وقوع الثاني، ولا يبقى بعد ذلك شك في أن وعد الله حق، وأنّ الله سيبعث من في القبور، فيرد عليهم أرواحهم، ويجازيهم جزاء وفاقًا بحسب أعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر، وهو الحكم العدل اللطيف الخبير.
والظرف في قوله:{إِذْ يَتَنازَعُونَ} متعلق بـ {أَعْثَرْنا}؛ أي: وكذلك أعثرنا الناس - بيدروس وقومه - على أصحاب الكهف، حين يتنازعون، أي: يتنازع الناس