للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يحوم حوله شك، وقال البغويُّ: وهذه الجملة مرتبة على محذوف تقديره: إن الأمر في مدة لبثهم كما ذكرنا، فإن نازعوك فيها فأجبهم، و {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا}؛ أي: بالزمان الذي لبثوا فيه، لأن علم الخفيّات مختص به تعالى، ولذلك قال: {لَهُ} سبحانه وتعالى خاصة {لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}، أي: علم ما غاب عن أهل الأرض، والسموات فيهما، يعني: أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال أهلها، فإنه العالم وحده به، فكيف يخفى عليه حال أصحاب الكهف، لا يعزب عنه علم شيء منه، فسلّموا له علم ما لبثت به الفتية في الكهف، وإذا علم الخفي فيهما، فهو بعلم غيره أدرى.

ومن ذلك العلم الغائب على كثير من العقول، حساب السنة الشمسية والقمرية، فقد غيّبه الله عن بعض الناس، ولم يطلع عليه إلّا العارفين بحساب الأفلاك، ومن ثم يعجبون من أمر نبيهم، ويعلمون أنّ هذا مبدأ زينة الأرض وزخرفها.

وفائدة تأخير بيان مدة لبثهم (١): الدلالة على أنهم تنازعوا فيها أيضًا، كما تنازعوا في عددهم على أن هذا البيان من الغيب الذي أخبر الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليكون معجزة له، وجاء قوله: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا} تذييلًا لسابقه ليكون محاكيًا قوله في حكاية عددهم {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ}.

ثم زاد في المبالغة والتأكيد، فجاء بما يدل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال: {أَبْصِرْ بِهِ} سبحانه وتعالى {وَأَسْمِعْ} به تعالى؛ أي: ما أبصر الله سبحانه وتعالى بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع، فهو لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهذا أمر عظيم من شأنه أن يتعجّب منه، وقد ورد مثل هذا في الحديث «سبحانك ما أحلمك عمن عصاك، وأقربك ممن دعاك، وأعطفك على من سألك».

فأفاد هذا التركيب التعجب من علمه سبحانه وتعالى، ودل على (٢) أن شأنه


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.