ومجمل الأمر في ذلك: أن الله أطلع الخضر على بواطن الأشياء وحقائقها في أنفسها، وهذا لا يمكن تعلمه إلا بتصفية الباطن، وتجريد النفس، وتطهير القلب عن العلائق الجسمية، ومن ثم قال في صفة علمه {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} وموسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة، بعثه الله إلى هذا العالِم ليعلمه أن كمال المعرفة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر، إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليها في الواقع.
روي (١): أن موسى لما أراد أن يفارقه .. قال له الخضر: لو صبرت .. لأتيت على ألف عجيب، كل عجيب أعجب مما رأيت، فبكى موسى على فراقه وقال له: أوصني يا نبي الله، قال لا تطلب العلم لتحدث به الناس، واطلبه لتعمل به، وذلك لأن من لم يعمل بعلمه، فلا فائدة في تحديثه، بل نفعه يعود إلى غيره.
ومن وصايا الخضر: كن نفاعًا، ولا تكن ضرارًا، وكن بشاشًا، ولا تكن عبوسًا غضابًا، وإياك واللجاجة، ولا تمشِ في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجيب، ولا تعير المذنبين خطاياهم بعد الندم، وابك على خطيئتك ما دمت حيًا، ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، واجعل همك في معادك، ولا تخض فيما لا يعنيك، ولا تأمن لخوف من أمَّنك، ولا تيأس من الأمن من خوفك، وتدبر الأمور في علانيتك، ولا تذر الإحسان في قدرتك، فقال له موسى: قد أبلغت في الوصية، فأتم الله عليك نعمته، وغمرك في رحمته، وكلأك من عدوه، فقال له الخضر: أوصني أنت يا موسى، فقال له موسى: إياك والغضب إلا في الله، ولا تحب الدنيا، فإنها تخرجك من الإيمان وتدخلك في الكفر.
فقال له الخضر: قد أبلغت في الوصية فأعانك الله على طاعته، وأراك السرور في أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله، قال له: آمين،