فنقول: المراد بذي القرنين في الآية الكريمة، هو ذو القرنين الأكبر (١)، واسمه إسكندر بن فيلقوس اليوناني، ملك الدنيا بأسرها، كما قال مجاهد: ملك الأرض أربعةٌ: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان وذو القرنين، والكافران نمرود وبختنصر، وفي "مشكاة الأنوار" شداد بن عاد بدل بختنصر، وكان ذو القرنين بعد نموود في عهد إبراهيم - عليه السلام - على ما يأتي، ولكنه عاش زمنًا طويلًا، ألفًا وست مئة سنة على ما قالوا، وفي تفسير الشيخ، وكان بعد ثمود، وكان الخضر على مقدمه جيشه بمنزلة المستشار الذي هو من الملك بمنزلة الوزير.
وقال ابن كثير: والصحيح أنه ما كان نبيًا ولا ملكًا، وإنما كان ملِكاً صالحًا عادلاً، ملك الأقاليم وقهر أهلها من الملوك وغيرهم، وانقادت له البلاد، مات بمدينة شهر زور، بعدما خرج من الظلمة (لأنه دخل الظلمة والنور في سياحته)، ودُفن فيها.
وفي "التبيان" مدة دوران ذي القرفين في الدنيا خمس مئة، ولما فرغ من بناء السد .. رجع إلى بيت المقدس ومات به، وإنما سُمي بذي القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس؛ أي: جانبيها مشرقها ومغربها، كما لُقِّب أردشير واضع النرد بطويل اليدين لنفوذ أمره حيث أراد، وفي "القاموس": لما دعاهم إلى الله تعالى، ضربوه على القرن الأيمن، فمات فأحياه الله، ثم دعاهم فضربوه على قرنه الأيسر، فمات ثم أحياه الله، كما سُمي عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بذي القرنين لما كان شجتان في قرني رأسه، إحداهما من عمرو بن ود، والثانية من ابن ملجم، وفي "قصص الأنبياء": وكان قد رأى في منامه أنه دنا من الشمس، حتى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها، فلما قص رؤياه على قومه، سموه به، وقالا السيوطي في "الأوائل": أول من لبس العمامة ذو القرنين، وذلك أنه طلع له في رأسه قرنان كالظلفين، يتحركان، فلبسها من أجل ذلك، ثم إنه دخل الحمام ومعه كاتبه فوضع العمامة وقال لكاتبه: هذا الأمر لم يطلع عليه غيرك، فإن سمعت به