للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقاء ربه والمصير إليه للمجازاة .. {فَلْيَعْمَلْ} لتحصيل ذلك المطلوب العزيز {عَمَلًا صَالِحًا} لائقًا بذلك المرجو كما فعله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من قبل.

وقال الإمام (١): حمل أصحابنا لقاء الرب على رؤيته، والمعتزلة على لقاء ثوابه، يقال: لقيه كرضيه رآه، كما في "القاموس" والرجاء: يكون بمعنى الخوف، وبمعنى الأمل، كما في "البغوي".

والمعنى (٢): من كان له هذا الرجاء الذي هو شأن المؤمنين، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} وهو ما دل الشرع على أنه عمل خير يثاب عليه فاعله وقال في "التأويلات النجمية" العمل الصالح متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتأسي بسنته ظاهرًا وباطناً، فأما سُنَّة باطنهِ فالتبتل إلى الله تعالى وقطع النظر عما سواه.

{وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} من المخلوقات سواء كان صالحًا أو طالحًا حيوانًا أو جمادًا قال أبو البقاء (٣): أي: في عبادة ربه، ويجوز أن تكون الباء على بابها؛ أي بسبب عبادة ربه. اهـ.

ومعنى الآية: أي فمن كان يطمع في ثواب الله على طاعته .. فليخلص له العبادة وليفرد له الربوبية، ولا يشرك به سواه لا إشراكًا جليًا كما فعل الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، ولا إشراكًا خفيًا كما فعل أهل الرياء ممن يطلب بعمله وعلمه الدنيا، أو الجاه، أو التسمية، أو الوظيفة، أو الشهرة، وهذا هو الشرك الأصغر، كما صح في الحديث وروي مستفيضًا في الأخبار من أن كل عمل أريد به الدنيا لا يُقبل، فقد أخرج أحمد، ومسلم، وغيرهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه عن ربه قال: "أنا خير الشركاء، فمن عمل عملًا أشرك فيه غيري فأنا بريء منه وهو للذي أشرك".

وقرأ الجمهور (٤): {وَلَا يُشْرِكْ} بياء الغائب كالأمر في قوله: {فَلْيَعْمَلْ} وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي عنه {ولا تشرك} بالتاء خطابًا للسامع والتفاتًا من


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.