{وَتُخْرِجُونَ} أنتم - أيها المعاصرون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - {فَرِيقًا} وطائفةً {مِنْكُمْ} أي: من أهل دينكم مساعدين للمشركين {مِنْ دِيَارِهِمْ}؛ أي: من ديار أولئك الفريق وأوطانهم، غير مراعين لميثاق الله سبحانه عليكم في التوراة، وقوله:{تَظَاهَرُونَ} وتتعاونون بحلفائكم من المشركين، {عَلَيْهِمْ} أي: على إخراج أولئك الفريق من ديارهم، حالٌ من فاعل {تُخْرِجُونَ} أو من مفعوله مبيِّنةٌ لكيفية الإخراج، رافعةٌ لتوهُّم اختصاص الحرمة بالإخراج بطريق الأصالة والاستقلال، دون المظاهرة والمساعدة للغير، والمعنى: تُقوون ظُهوركَم بالمشركين للغلبة عليه، وقوله:{بِالْإِثْمِ} حال من فاعل {تَظَاهَرُونَ}؛ أي: حال كونكم ملتبسين بالإثم، وهو الفعل الذي يستحقُّ فاعله الذمَّ واللَّوم، {و} ملتبسين بـ {العدوان}؛ أي: بالتجاوز للحد في الظلم. وفي "النهر": الإثم: ما يستحق متعاطيه الذمَّ، أو ما تنفر منه النَّفس، ولا يطمئن إليه القلب، كالقتل ظلمًا. والعدوان: مجاوزة الحدِّ في الظلم، كالإخراج من الديار، وأخذ الأموال، وسبْي الذراريِّ. وقرأ عاصمٌ، وحمزة، والكسائي:{تَظَاهَرُونَ} بحذف إحدى التاءين وتخفيف الظاء، وأصله: تتظاهرون، فحذفت إحدى التاءين وهي عندنا الثانية، لا الأولى خلافًا لهشامٍ، إذ زعم أنَّ المحذوف هي التي للمضارعة الدالَّة في مثلِ هذا المثال على الخطاب، وكثيرًا جاء في القرآن، حذف التاء، وقال الشاعر:
تَعاطسون جميعًا حولَ دارِكُمُ ... فكلُّكُمْ يا بني حمدانَ مزكومُ
يريد تتعاطسون. وقرأ باقي السبعة بتشديد الظاء؛ أي: بإدغام التاء في الظاء. وقرأ أبو حيوة {تُظَاهِرُونَ} بضمّ التاء، وكسر الهاء. وقرأ مجاهدٌ، وقتادة باختلافٍ عنهما {تَظَّهَّرُوْنَ} بفتح التاء والظاء والهاء مشدّدين دون ألف، ورويت عن أبي عمرو. وقرأ بعضهم:{تتظاهرون} على الأصل، فهذه خمس قراءات، ومعناها كُلِّها: التعاون والتناصر {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ}؛ أي: وإن أتاكم هؤلاء الفريق الذين تظاهرون على إخراجهم، وجاءُوكم، ووقعوا في أيديكم حال كونهم {أُسَارَى} أي: مأسورين في يد حلفائكم المشركين، معنى إتيانهم لهم: وقوعهم في يد حلفائهم المشركين الأوس، أو الخزرج، فيتمكَّنون من افتدائهم منهم