الماء، لكثرة ما سأل منها من الدماء {وَقَرِّي عَيْنًا} أي وطيبي نفسًا، وبردي قلبك، وارفضي عنه ما أحزنك، وأهمك، فإن الله تعالى قد نزه ساحتك بالخوارق، من جرى النهر المنقطع، واخضرار النخلة اليابسة، وإثمارها قبل وقتها, لأنهم إذا رأوا ذلك، لم يستبعدوا ولادة ولد بلا فحل، واشتقاقه من القرار، فإن العين إذا رأت ما يسر النفس .. سكنت إليه من النظر إلى غيره، يقال: أقر الله عينيك؛ أي: صادف فؤادك ما يرضيك، فيقر عينك من النظر إلى غيره.
والمعنى: أي طيبي نفسًا بولدك عيسى، فالعين إذا رأت ما يسر النفس .. يسكنت إليه من النظر إلى غيره، وإنّ دمعة السرور باردة، ودمعة الحزن حارة، ولذلك يقال للمحبوب: قرة العين وللمكروه سخنة العين، فإن الله قدير أن ينزه ساحتك، ويبعد عنك تخرصات المبطلين، الذين يتقيدون بالسنن التي جعلها الله تعالى الطريق للولادة في البشر، ويرشدهم إلى الوقوف على سريرة أمرك حتى يثبتوا لك القداسة والطهر، وقرأ الجمهور (١): {قَرِّي} بفتح القاف، وحكى ابن جرير: أنه قرىء بكسرها، قال وهي لغة نجدٍ.
{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}؛ أي: فإن تري أحدًا من البشر كائنًا من كان، فيسألك عن شأنك وشأن ولدك، و (ما) مزيدة لتأكيد معنى الشرط، وهي بمنزلة لام القسم في أنها إذا دخلت على الفعل .. دخلت معها النون المؤكدة {فَقُولِي} له باللسان أو فأشيري له بالأركان: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} وأوجبت على نفسي {لِلرَّحْمَنِ} سبحانه {صَوْمًا}؛ أي: صمتًا عن الكلام، أو صيامًا، وكان صيام المجتهدين في بني إسرائيل بالإمساك عن الطعام والكلام حتى يمسي، وقد نسخ في هذه الأمة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم الصمت.
أي: قولي إن طلب منك الكلام أحد من الناس {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} وصمتًا {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}؛ أي: آدميًا بعد أن أخبرتك بنذري، وإنما