للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنهم، وقوله: {وَهُوَ} مبتدأ؛ أي: الشأن {مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} متعلّق (١) بقوله: {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} وما بينهما اعتراضٌ، والضمير للشأن، كما ذكرنا في الحلِّ، أو مبهمٌ يفسِّره إخراجهم، أو راجعٌ إلى ما دلَّ عليه {وَتُخْرِجُونَ} من المصدر، وإخراجهم بدلٌ منه، أو عطف بيان، وقال في "الروح" {هُوَ} مبتدأ {مُحَرَّمٌ} فيه ضمير قائم مقام الفاعل وقع خبرًا عن {إِخْرَاجُهُمْ}، والجملة خبر لضمير الشأن. اهـ.

والمعنى (٢): أي وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم، والحال أنَّ الشأن محرَّم عليكم إخراجهم من ديارهم أوّل مرّةٍ، وذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى، أخذ على بني إسرائيل في التوراة أربعة عهودٍ: ترك القتل؛ أي: أن لا يقتل بعضهم بعضًا، وترك الإخراج؛ أي: لا يخرج بعضهم بعضًا من ديارهم، وترك المظاهرة على أهل دينهم مع أعدائهم، وفك أسراهم من أيدي أعدائهم، وأيما عبدٍ، أو أمةٍ، وجدتموه من بني إسرائيل، فاشتروه، وأعتِقوه، فأَعْرَضوا عن الكلِّ إلّا الفداء.

وكان النضير (٣)، وقريظة أخوين، كالأوس والخزرج، فافترقوا، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج حين كان بينهما ما كان من العداوة، فكان كُلُّ فريق يقاتل مع حلفائه، فإذا غلبوا خرَّبوا ديارهم، وأخرجوهم من ديارهم، ثُم إذا أُسِرَ رجلٌ من الفريقين فدوه، كما لو أُسِرَ واحدٌ من النضير، ووقع في يد الأوس، افتدته قريظة منهم بالمال، وهكذا يقال في عكس ذلك، وكانت الأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنّةً ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامةً، ولا كتابًا، ولا حلالًا، ولا حرامًا، يُعيِّرون قريظة والنضير، ويقولون لهم: كيف تقاتلونهم أوَّلًا ثم تفادونهم؟ فيقولون: أُمِرْنَا أن نفديهم، وحُرِّم علينا قتالهم، ولكن نستحي أن تُذَلَّ حلفاؤنا، فذمَّهم الله تعالى بقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ} ما في {الْكِتَابِ} والتوراة، وتصدِّقونه، وتمتثلونه وهو


(١) البيضاوي.
(٢) العمدة.
(٣) المراح.