للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا دليل على صحة القياس، حيث، أنكر عليه جهله في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى، فيستدل به على البعث والإعادة، قيل: لو اجتمع الخلق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار .. ما قدروا.

وقوله: {وَلَمْ يَكُ} أصله (١): لم يكن، حذفت النون تخفيفًا لكثرة الاستعمال، أو تشبيهًا بحروف العلة في امتداد الصوت، وقال الرضي: النون مشابه للواو في الغنة.

والمعنى: أي (٢) أيقول ذلك ولا يتفكر الإنسان المجترىء على ربه المنكر لتلك الإعادة بعد الفناء، وللأحياء بعد الممات، أن الله خلقه من قبل مماته، فانشأه بشرًا سويًا من غير شيءٍ، فليعتبر بذلك، وليعلم أن من أنشاه كذلك لا يعجز عن إحيائه بعد مماته، وإيجاده بعد فنائه.

والخلاصة: أي (٣) ألا يتفكر هذا الجاحد في أول خلقه، فيستدل بالابتداء على الإعادة، والابتداء أعجب وأغرب من الإعادة؛ لأن النشأة الأولى هي إخراج لهذه المخلوقات من العدم إلى الوجود، ابتداعًا وإختراعًا، لم يتقدم عليه ما يكون كالمثال له، وأما النشأة الآخرة، فقد تقدم عليها النشأة الأولى، فكنت كالمثال لها.

وقرأ الجمهور (٤): {أَإِذَا} بهمزة الاستفهام وقرأت فرقة - منهم ابن ذكوان بخلافٍ عنه -: {إذا} بدون همزة الاستفهام، وقرأ الجمهور: {لَسَوْفَ} باللام، وقرأ طلحة بن مصرف {سأخرج} بغير لام وسين الاستقبال عوض سوف، فعلى قراءته تكون إذا معمولًا لقوله: {سأخرج} لأن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده من الفعل فيما قبله، على أن فيه خلافًا شاذًا، وصاحبه محجوج بالسماع، قال الشاعر:

فَلَمَّا رَأَتْهُ آمِنَاً هَانَ وَجْدُهَا ... وَقَالَتْ أَبُوْنَا هَكَذَا سَوْفَ يَفْعَلُ


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.