دون الجمع، فإن العذاب الأخروي لا ينفك عنهم بحال، وقوله:{فَسَيَعْلَمُونَ} جواب الشرط؛ أي: حتى إذا عاينوا ما يوعدون من العذاب الدنيوي، أو الأخروي فقط .. فسيعلمون حينئذ {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا}؛ أي: منزلًا من الفريقين {وَأَضْعَفُ جُنْدًا}؛ أي: أنصارًا وأعوانًا منهما، بأن يشاهدوا الأمر على عكس ما كانوا يحسبونه فيعلمون أنهم شر مكانًا لا خير مقامًا ويرون أنهم أضعف جندًا وأعوانًا وأنصارًا، لا أحسن نديًا كما كانوا يدعونه.
والمعنى: أنهم سيعلمون عند ذلك أنهم شر مكانًا لا خير مكانًا، وأضعف جندًا لا أقوى ولا أحسن من فريق المؤمنين، وليس المراد أن للمفتخرين هنالك جندًا ضعفاء، بل لا جند لهم أصلًا، كما في قوله سبحانه {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (٤٣)}.
ومعنى الآية (١): أي قل يا محمد لهؤلاء المدعين أنهم على الحق، وأنكم على الباطل: إن ما افتخرتم به من زخرف الدنيا وزينتها , لا يدل على حسن الحال في الآخرة، فقد جرت سنة الله بأن من كانوا منهمكين في الضلالة، مرخين لأنفسهم الأعنة في سلوك المعاصي والآثام، يبسط لهم نعيم الدنيا، ويطيب عيشهم فيها، ويمتعهم بأنواع اللذات، ولا يزال يمهلهم استدراجًا لهم إلى أن يشاهدوا ما وعدوا به رأى العين، إما عذابًا في الدنيا كما حصل يوم بدر، وإما مجيء الساعة وهم بها مكذبون، وعن الاستعداد لها مفرطون، وإذ ذاك يعلمون من هو شرّ من الفريقين مكانًا، وأن الأمر على عكس ما كانوا يقدرون، وسيرون أنهم شر مكانًا، وأضعف جندًا، وأقل ناصرًا من المؤمنين، وهذا رد على قولهم {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}.
وقصارى ذلك: أن من كان في الضلالة، فسنة الله أن يمد له، ويستدرجه ليزداد إثمًا، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، إما بعذاب في الدنيا يأتيه من حيث لا يحتسب، وإما بعذاب في الآخرة لا قبل له بدفعه، وحينئذ يعلم أنه كان في