تقديرُهُ: ففريقًا منهم كذبتم، وبدأ بالتكذيب؛ لأنَّه أوَّل ما يفعلونه من الشرِّ؛ ولأنه المشترك بين الفريقين المكذَّبِ والمقتولِ، وأَتَى بفعلِ القتل مضارعًا؛ لحكاية الحال الماضية؛ ولِمَا فيه من مناسبةِ رؤوس الآي التي هي فواصلُ، وإمَّا لكونه مستقبلًا، لأنّهم يَرُوموُن قَتْلَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك سَحَروه وسَمُّوه. اهـ. من "البحر".
والمعنى: إنَّه نشأ من استبكارهم مبادرتهم لفريق من الرسل بالتكذيب، ومبادرتهم لآخرين بالقتل. وعبارة "الروح" هنا؛ وقدَّم (١) فريقًا في الموضعين؛ للاهتمام، وتشويق السامع إلى ما فعلوا بهم، لا للقصر، ولم يقل قتلتم، وإن أريد الماضي؛ تفظيعًا لهذه الحالة، فكأنَّها - وإن مضت - حاضرةٌ لشناعتها، ولثبوت عارها عليهم، وعلى ذرِّيتهم بعدهم، أو يراد: وفريقًا تقتلونهم بعد، وإنّكم على هذه النيَّة؛ لأنّكم حاولتم قتل محمد - صلى الله عليه وسلم -، لولا أنَّي عصمته منكم، ولذلك سحرتموه، وسممتم له الشاة حتى قال - صلى الله عليه وسلم - عند موته:"ما زالت أكلة خيبر تعاودني"؛ أي: يراجعني أثر سُمِّها في أوقاتٍ معدودة: "فهذا أوان قَطعَتْ أبهري" وهو عرقٌ منبسطٌ في القلب، إذا انقطع مات صاحبه. وقصته: أنّه لمّا فتحت خيبر وهو موضع بالحجاز قرب المدينة، أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاةٌ فيها سُمٌّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّي سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقيّ فيه" قالوا: نعم يا أبا القاسم! قال: "هل جعلتم في هذه الشاة سُمًّا" قالوا: نعم، قال:"فما حملكم على ذلك" قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا أن نستريح منك، وإن كنت صادقًا لم يضرَّك.
واعلم: أنَّ اليهود أَنِفُوا من أن يكونوا أتباعًا، وكانت لهم رئاسةٌ، وكانوا متبوعين، فلم يؤمنوا مخافة أن تذهب عنهم الرئاسة، فما دام لم يخرج حُبُّ الرئاسة من القلب، لا تكون النَّفس مؤمنةً بالإيمان الكامل.
وللنفس صفاتٌ سبعٌ مذمومةٌ: العجب، والكبر، والرياء، والغضب، والحسد، وحُبُّ المال، وحبّ الجاه. ولجهنَّم أيضًا أبوابٌ سبعةٌ: فمن زكى نفسه