جاه، أو منزلةٍ، أو خصلة حميدة، والباغي: هو الظالم الذي يفعل ذلك عن حسده، والمعنى: بئس الشيء شيئًا باعوه به إيمانَهم كُفْرُهم المعلَّلُ بالبغي الكائن لأجل {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ} أي حسدًا على أن ينزّل، فإنَّ الحسد يستعمل بعلى؛ أي: حسدًا على أن ينزّل الله سبحانه وتعالى وحْيًا وكتابًا {مِنْ فَضْلِهِ} وإحسانه {عَلَى مَنْ يَشَاءُ}، ويختاره، ويصطفيه {مِنْ عِبَادِهِ} وخلقه المستأهلين لتحمُّل أعباء الرسالة. وهو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وطلبًا لما أُنزل عليه لأنفسهم، وذلك أنَّ كفر اليهود لم يكن من شكٍّ واشتباهٍ، وإنما كان حسدًا حيث صارت النبوة في ولد إسماعيل، وذلك أنَّ اليهود كانوا يعتقدون نبيَّ آخر الزمان، ويتمنَّون خروجه، وهم يظنُّون أنَّه من ولد إسحاق، فلمَّا ظهر أنّه من ولد إسماعيل حسدوه، وكرهوا أن يخرج الأمر من بني إسرائيل، فيكون لغيرهم من العرب، وعِزُّ النبوّة من يعقوب إلى عيسى عليهما السلام، كان في إسحاق فختم في عيسى، ولم يكن من ولد إسماعيل نبيٌّ غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فختمت النبوَّة على غيرهم، وعدموا العزّة، والشرف، والفضل، فحسدوا لذلك.
وقرأ أبو عمرو (١)، وابن كثير: جميع المضارع مخفَّفًا من أنزل، إلّا ما وقع الإجماع على تشديده وهو في الحِجْرِ {وَمَا نُنَزِّلُهُ} إلّا أن أبا عمرو شدَّد {على أن ننزل} آيةٌ في الأنعام، وابن كثير شدد، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} و {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} وشدَّد الباقون المضارع حيثما وقع إلّا حمزة، والكسائي فخفَّفا {وينزل الغيث} في آخر لقمان {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} في الشورى والهمزة والتشديد كُلٌّ منهما للتعدية.
{فَبَاءُوا} أي: رجعوا وانصرفوا من الله ملتبسين {بِغَضَبٍ} كائنٍ {عَلَى غَضَبٍ} أي: احتملوا بلعنةٍ من الله بسبب كفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالقرآن مع غضبٍ استحقُّوه، أوَّلًا بتضييع التوراة وبتبديله، وبالكفر بعيسى؛ أي: استحقُّوا غضبًا لاحقًا مع غضبٍ سابقٍ لهم، فاستحقُّوا لعنةً بعد لعنةٍ لأمور صدرت منهم،