للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يُعد ما يكيد به من السحرة، وآلاتهم، وأنصاره، وأعوانه كثير ما هم، ثم أتى وأقبل إلى الموعد الذي عُيِّن، ومعه جمعه، وجلس على سرير ملكه، وحوله أكابر دولته، واصطفت الرعية يمنةً ويسرةً، وأقبل موسى يتوكأ على عصاه، ومعه أخوه هارون، ووقف السحرة صفوفًا بين يدي فرعون، يحرضهم، ويستحثهم، ويرغبهم في جودة العمل، ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم، وقد جاء في سورة الشعراء {قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)}.

قال موسى للسحرة: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}؛ أي (١): لا تختلقوا على الله الكذب، ولا تتقوَّلوه عليه، بأن تدَّعوا أن الآيات التى ستظهر على يدي سحر، كما فعل فرعون، أولا تشركوا مع الله أحدًا، والافتراء: التقول والكذب عن عمد.

وفي "التأويل": قال موسى للسحرة {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} بإتيان السحر في معرض المعجزة، ادعاءً بأن الله قد أعطانا مثل ما أعطى الأنبياء من المعجزة {فَيُسْحِتَكُمْ}؛ أي: فيهلككم ويستأصلكم، يقال: أسحت الشيء، إذا أعدمه واستأصله {بِعَذَابٍ} هائل لا يقادر قدره؛ أي: بعذاب من عنده، لا يُبقي أحدًا منكم ولا يذر.

وقرأ حمزة (٢)، والكسائي، وحفص، والأعمش، وطلحة، وابن جرير: {فَيُسْحِتَكُمْ} بضم الياء وكسر الحاء، ومن أسحت رباعيًا، وهي لغة بني تميم، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر، عن عاصم، ورويس، وابن عباعي: {فيسحتكم} بفتح الياء والحاء، من سحت ثلاثيًا، وهي لغة أهل الحجاز، يقال: سحت وأسحت، بمعنى، والسحت: الاستئصال.

{وَقَدْ خَابَ}؛ أي: خسر وهلك {مَنِ افْتَرَى} واختلق على الله الكذب، كائنًا من كان، بأي وجه كان، ولم يُفلح في سعيه، ولم يصل إلى غرضه، فابتعدوا من اختلاق الأكاذيب، ولا تضلوا سواء السبيل، حتى لا يصيبكم ما


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط وزاد المسير.