للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثلاثة أحرف {آمِنُوا} وصدِّقوا {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}؛ أي: بالقرآن الذي أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو بكُلِّ ما أنزل الله من الكتب الإلهيّة جميعًا {قَالُوا}؛ أي: قالت اليهود في جواب هذا القيل: {نُؤْمِنُ}؛ أي: نستمر على الإيمان {بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} يعنون به التوارة، وما أنزل على أنبياء بني إسرائيل لتقرير حكمها، ويدسُّون فيه، أنَّ ما عدا ذلك غير منزل عليهم، وأسندوا الإنزال على أنفسهم؛ لأنّ المنزَّل على نبيٍّ، منزلٌ على أُمّته معنًى؛ لأنّه يلزمهم؛ أي: نؤمن ونصدِّق بما أنزل على أنبيائنا من التوراة، وكتب سائر الأنبياء الذين أتوا بتقرير شريعة موسى عليه السلام؛ أي: يكفينا الإيمان به دون غيره {و} هم {يكفرون بما وراءه}؛ أي: سوى ما أنزل عليهم؛ أي: بما بعد ما أنزل عليهم من الإنجيل والقرآن {وَهُوَ}؛ أي: والحال أنَّ ما وراء التوراة؛ أي: أنّ ما أنزل عليهم من القرآن {الحق} أي: الصدق الثابت من الله تعالى؛ أي: المعروف بالحقيقةِ، الحَقِيقُ بأن يُخَصَّ به اسمُ الحق على الإطلاق حال كونه {مُصَدِّقًا} وموافقًا في التوحيد {لِمَا مَعَهُمْ} من التوراة غير مخالف له حالٌ مؤكّدةٌ من الحق، والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل، وصاحب الحال ضميرٌ دَلَّ عليه الكلام: أي: أُحِقُّه مصدّقًا؟ أي: حال كونه موافقًا لما معهم، وفيه ردٌّ لمقالتهم؛ لأنّهم إذا كفروا بما يوافق التوراة، فقد كفروا بها فلا يصحّ دعواهم الإيمان بالتوراة.

ثمَّ اعترض عليهم بقتلهم الأنبياء مع ادِّعَائهم الإيمانَ بالتوراة (١)، والتوراة لا تسوِّغ قتل نبي بقوله: {قُلْ} لهم يا محمد! تبكيتًا لهم من جهة الله تعالى، ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم؛ أي: إلزامًا وبيانًا لكفرهم بالتوراة التي ادَّعوا الإيمان بها، إذا كان إيمانكم بالتوراة صحيحًا {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} أي فلم قتلتم أنبياء الله {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل نزول القرآن، كزكريَّا ويحيى {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بالتوراة حقًّا، فإنَّ في التوراة تحريمَ القتل بغير حقّ، فأيُّ كتاب جوَّز لكم قتلهم؟ والمعنى: أنّهم لو آمنوا بالتوراة لما قتلوا الأنبياء، فآلَ أمْرُهُم إلى كفرهم بجميع ما أنزل الله تعالى، لا بالبعض فقط كما ادَّعوه.


(١) روح البيان.