للحق، وتمادى هو وقومه في العناد والإعراض عن سبيل الرشاد ... أردف ذلك بذكر ما آل إليه أمر فرعون وقومه، من الغرق في البحر، حين تبعوا موسى للحاق به، لما خرج من مصر ذاهباً إلى الطور، وطوى في البين ذكر ما جرى على فرعون وقومه بعد أن غُلبت السحرة من الآيات المفصلة، التي حدثت على يد موسى في مدة عشرين سنة، بحسب ما فصِّل في سورة الأعراف، وكان فرعون كلما جاءته آية عذاب .. وعد أن يُرسل بني إسرائيل حين ينكشف عنه العذاب، فإذا هو انكشف .. نكص على عقبيه، ونكث في عهده، حتى أمر الله موسى بالهجرة والخروج ليلًا من مصر، ثم عدد بعدئذٍ نعمه الدينية والدنيوية على بني إسرائيل، فذكر أنه أنجاهم من عدوهم، وقد كان ينزل بهم ضروبًا من الظلم، من قتل وإذلال، وتعبٍ في الأعمال، وأنه ذكر أنه أنزل عليهم كتابًا فيه بيان دينهم، وتفصيل شريعتهم، وأنه أنزل لهم المن والسلوى، وأنه أمرهم بأكل الطيبات من الرزق، وزجرهم عن العصيان، وأن من عصى ثم تاب .. كانت توبته مقبولةً عند ربه.
قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (٨٣) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أنه أوحى (١) إلى موسى أن يخرج هو وقومه من مصر ليلًا، ويخترق بهم البحر، ولا يخشى غرقًا ولا دركًا من فرعون وجنده، وأن البحر أغرق فرعون وقومه جميعًا، حينما أرادوا اللحاق ببني إسرائيل، ثم عدد نعمه عليهم، من إنجائهم من عدوهم، وإنزال المن والسلوى عليهم، ثم أمرهم بأكل الطيبات من الرزق، ونهاهم عن الطغيان، ثم ذكر أنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا .. أعقب هذا بما جرى بينه سبحانه وبين موسى من الكلام، حين موافاته الميقات بحسب المواعدة التي ذُكرت آنفًا، وبما حدث من فتنة السامري لبني إسرائيل، ورجوع موسى إليهم غضبانَ أسفًا، ثم معاقبته لهم على ما صنعوا، ثم ذكر الحيلة التي فعلها السامري حين أخرج لهم من حليّهم عجلًا جسدًا له خوار، فقالوا: هذا إلهكم وإله موسى، فرد الله عليهم،