هذه الآيات لما قبلها، أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال من أعرض عن ذكر الله في الآخرة بقوله:{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ...} أتبعه بما يكون عبرةً للمشركين لو تفكروا فيه، وهو ما نزل بالمكذبين للرسل ممن قبلهم من الأمم، الذين يمرون بديارهم بكرةً وعشيًا، كقوم عاد وثمود، وكيف أصبحت ديارهم خرابًا بلقعًا، ليس فيها ديَّار ولا نافخ نار، ثم بيَّن أنه لولا سبق الكلمة بتأخير عذابهم إلى أجل مسمى .. لحاق بهم مثل ما حاق ممن قبلهم، ثم أمر رسوله بالصبر على ما يسمونه به، من نحو قولهم: إنه ساحر، وإنه مجنون، وعدم المبالاة بمقالتهم، وعليه أن يكثر من التسبيح، وعبادة ربه آناء الليل وأطراف النهار، ولا يلتفت إلى شيء مما متع به الكفار من زهرة الدنيا، التي أوتيت لهم لتكون ابتلاءً واختبارًا، وما عند الله خير منها وأبقى، ثم طلب إليه أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقًا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من واسح فضله، وعظيبم عطائه، والعاقبة لمن اتقى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (١)، لما أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على أقاويلهم، التي أرادوا بها تكذيبه والكيد له، وشديد أذاه .. حكى بعض تلك الأقاويل الباطلة، ومنها ادعاؤهم أن القرآن ليس بحجة ولا معجزة تدل على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم أبان لهم أنهم يوم القيامة سيعترفون بأنه آية بينة {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} ومن ثم لم نهلكهم قبله حتى تنقطِع معذرتهم، كما حكى الله عنهم من قوله:{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ثم ختم السورة بضرب من الوعيد، وكأنه قال: قل لهم: كل منا ومنكم منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم، وحينئذٍ يتميز المحق من المبطل بما يظهر على الأول من أنواع الكرامة والتعظيم، وعلى الثاني من ضروب الخزي والإهانة، ويظهر مَنْ منا صار على الطريق السوي ومن المهتدي.