للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إتيان البينة، أو من قبل إرسال الرسل {لَقَالُوا} يوم القيامة احتجاجًا واعتذارًا {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}؛ أي: هلا أرسلت إلينا رسولًا يأمرنا وينهانا في الدنيا مع كتاب {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} التي أتى بها الرسول {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ}؛ أي: من قبل أن يحصل لنا الذل والهوان في الدنيا بعذاب القتل والسبي، كما وقع يوم بدر، والذل الهوان {وَنَخْزَى} ونفتضح في الآخرة، بدخول النار.

والمعنى (١): ولكن ألم نهلكهم قبل إتيانها، فانقطعت معذرتهم، فعند ذلك اعترفوا و {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}.

قال في "الأسئلة المقحمة": هذا يدل (٢) على أنه يجب على الله أن يفعل ما هو الأصلح لعباده المكلفين، إذ لو لم يفعل .. لقامت لهم عليه الحجة، بأن قالوا: هلا فعلت بنا ذلك حتى نؤمن.

والجواب: لو كان يجب عليه ما هو الأصلح لهم .. لما خلقهم، فليس في خلقه إياهم وإرسال الرسل إليهم رعاية الأصلح لهم، مع علمه بأنهم لا يؤمنون به، ولكنه أرسل الرسل وأكد الحجة، وسلب التوفيق، ولله تعالى أن يفعل ما يشاء بحق المالكية. انتهى.

وقرأ الجمهور (٣): {نَذِلَّ وَنَخْزَى} مبني للفاعل، وقرأ ابن عباس، ومحمد بن الحنفية، وزيد بن علي، والحسن في رواية عباد، والعمري، وداود، والفزاري، وأبو حاتم، ويعقوب: مبنيًا للمفعول.

والمعنى: أي (٤) ولو أنا أهلكناهم في الدنيا بعذاب الاستئصال من قبل إتيان البينة، وهي القرآن .. لقالوا يوم القيامة: ربنا هلا أرسلت إلينا في الدنيا رسولًا معه الآيات الدالة على صدقه، فنتبع حججك وما تنزله عليه من أمرك ونهيك، من قبل أن نذل بتعذيبك، ونفتضح به.


(١) روح البيان.
(٢) أسئلة المقحمة.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.