بالحياة. وهذه الجملة، إضراب (١) عما توهموا، من أن ما هم فيه من الحفظ من جهة أن لهم آلهة تمنعهم أو تطرق البأساء إليهم، كأنه قيل: دع ما زعموا أو كونهم محفوظين بكلاءة آلهتم، بل ما هم فيه أو الحفظ إنما هو منا، حفظناهم أو البأساء، ومتّعناهم بأنواع السرّاء، لكونهم من أهل الاستدراج والانهماك فيما يؤديهم إلى العذاب.
والمعنى: أن الذي غرّهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال، أنهم متِّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا بها، وطال عليهم العمر، حتى اعتقدوا أنهم على شيء، وقصارى ذلك: أنهم طالت أعمارهم وهم في الغفلة، فنسوا عهدنا، وجهلوا مواقع نعمتنا فاغتروا بذلك، ولم يعرفوا مواضع الشكر.
ثم بيّن لهم سوء مغبّتهم فقال:{أَفَلَا يَرَوْنَ} الهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا ينظر ولا يتدبر هؤلاء المشركون بالله، المستعجلون بالعذاب فلا يرون {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ}؛ أي: نأخذ أرض الكفرة، التي هي دار الحرب حالة كوننا {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} ونواحيها؛ أي: ننقصها من أرض الكفرة واحدة بعد واحدة، وبلدة بعد بلدة، بتسليط المؤمنين عليها من أطرافها، ونفتح البلاد والقرى مما حول مكة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه، ونميت رؤساء المشركين المتمتعين بالدنيا، وننقص من الشرك بإهلاك أهله، فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا، والهمزة في قوله:{أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أبعد نقصان أرضهم من أطرافها هم طامعون في النجاة من بأسنا، فهم الغالبون على محمد وأصحابه؛ أي: لا يطمعوا في ذلك فهم المغلوبون، والله ورسوله والمؤمنون هم الغالبون.
وهذا تمثيل وتصوير لما يخرّبه الله أو ديارهم على أيدي المسلمين، ويضيفه إلى دار الإسلام، وذلك أن الله لا يأتي، بل العساكر تغزو أرض الكفرة، وتأتي غالبة عليها ناقصة أو نواحيها. والمعنى؛ أي: أفلا يرى هؤلاء المشركون