للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جمعوا ما أرادوا، وأشعلوا في كل ناحية من الحطب نارًا، فاشتعلت النار واشتدت، حتى أن الطير ليمر بها فيحترق، من شدة وهجها وحرها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم لم يعلموا كيف يلقونه، فقيل: إن إبليس جاء وعلمهم عمل المنجنيق، فعملوه، ثم عادوا إلى إبراهيم فقيدوه، ورفعوه على رأس البنيان، ووضعوه في المنجنيق مقيدًا مغلولًا، فصاحت السماء والأرض ومن فيهما من الملائكة، وجميع الخلق: إلّا الثقلين صيحة واحدة: أي: ربنا إبراهيم خليلك يلقى في النار، وليس في أرضك أحد يعبدك غيره، فائذن لنا في نصرته، فقال الله تعالى: إنه خليلي ليس لي خليل غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري، فإن استغاث بأحد منكم، أو دعاه فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به، وأنا وليه، فخلوا بيني وبينه، فلما أرادوا إلقاءه في النار، أتاه خازن المياه وقال: إن أردت، أخمدت النار، وأتاه خازن الهواء، وقال: إن شئت طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل.

وروى عن أبي بن كعب (١): أن إبراهيم، قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك، ثم رموا به في المنجنيق إلى النار، فاستقبله جبريل، فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قال: قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم -، حين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم أخرجه البخاري.

قال كعب الأحبار: جعل كل شيء يطفىء عنه النار إلّا الوزغ، فإنه كان ينفخ في النار.


(١) الخازن.