للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والسندان والمطرقة، وكان لقمان يجلس مع داود، ويرى ما يصنع ويهم أن يسأل عنها؛ لأنه لم يرها قبل ذلك، فيسكت، فلما فرغ داود من الدرع قام وأفرغه على نفسه، وقال: نعم الرداء هذا للحرب. فقال لقمان عندها: إن من الصمت لحكمة، قالت الحكماء: وإن كان الكلام فضة فالصمت من ذهب {لِتُحْصِنَكُمْ}؛ أي: لتحرزكم وتحفظكم تلك اللبوس والدروع، وهو بدل اشتمال من {لَكُمْ} بإعادة الجار؛ لأن {لِتُحْصِنَكُمْ} في تأويل لإحصانكم، وبين الإحصان وضمير لكم ملابسة الاشتمال، مبين لكيفية الاختصاص، والمنفعة المستفادة من لكم {مِنْ بَأْسِكُمْ}؛ أي: من حرب عدوكم. والبأس هنا بمعنى الحرب، وإن وقع على السوء كله، وفي الآية دلالة على أن جميع الصنائع بخلق الله تعالى وتعليمه. وفي الحديث: "إن الله خلق كل صانع وصنعه".

والمعنى: أي (١) وعلمناه صنعة الدروع، وقد كانت صفائح، فجعلها حلقا فتمنع عنكم إذا لبستموها ولقيتم أعداءكم أذى الحرب، من قتل وجرح ونحوهما {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} لهذه النعمة التي أنعمنا بها عليكم. والاستفهام هنا في معنى الأمر؛ أي: فاشكروا الله تعالى على ما يسره لكم من هذه الصنعة، التي تمنع عنكم غوائل الحروب، وتقيكم ضررها وعظيم أذاها. والخطاب (٢) فيه لهذه الأمة، من أهل مكة ومن بعدهم إلى يوم القيامة، أخبر الله تعالى، أن أول من عمل الدروع داود، ثم تعلم الناس، فعمّت النعمة بها كل محارب، من الخلق، إلى آخر الدهر، فلزمهم شكر الله تعالى على هذه النعمة.

وقال بعضهم: الخطاب لداود وأهل بيته، بتقدير القول؛ أي: فقلنا لهم بعدما أنعمنا عليهم بهذه النعم، فهل أنتم شاكرون، على ما أعطى لكم من النعم، التي ذكرت، من تسخير الجبال له، والطير، وإلانة الحديد، وعلم صنعة اللبوس.

وقرىء (٣): {لُبوس} بضم اللام، والجمهور بفتحها. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي (٤): {ليحصنكم} بالياء. وقرأ ابن عامر وحفص عن


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) زاد المسير.
(٤) البحر المحيط.