للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجملة قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا} لتعليل ما قبلها من إحسانه سبحانه، إلى زكريا وأهله، وإلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فالضمير (١) إما عائد إلى زكريا وزوجه ويحيى، أو إلى الأنبياء المذكورين، فيكون تعليلًا لما فصّل من فنون إحسانه تعالى، المتعلقة بهم مثل إيتاء موسى وهارون الفرقان، وتبريد النار وإطفائها لإبراهيم، وإنجاء لوط مما نزل بقومه، وإنجاء نوح، ومن كان معه في السفينة، من أذى القوم، وكرب الطوفان، وغير ذلك، مما تفضّل به على الأنبياء السابقين، أي: أنهم كانوا {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: يبادرون في وجوه الخيرات مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخيرات، وهو السر في إيثار كلمة "في" على كلمة "إلى" المشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن أصل الخيرات، متوجهين إليها كما في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} الآية. قال الراغب: "الخير ما يرغب فيه الكل بكل حال، وهو الخير المطلق، والشر ضده".

والمسارعة في الخيرات من أكبر ما يمدح به المرء (٢)؛ لأنها تدل على حرص عظيم في طاعة الله تعالى. {و} كانوا {يَدْعُونَنَا} أي يفزعون إلينا {رَغَبًا} أي رغبة في ثوابنا {وَرَهَبًا} أي: رهبة من عقابنا. وقيل؛ الرغبة رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهبة رفع ظهورها إليها. أو حال كونهم راغبين في اللطف والجمال، وخائفين من القهر والجلال، أو راغبين فينا، وراهبين مما سوانا {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} أي خائفين متواضعين في عبادتهم، حذرين عن الانبساط في الأمور، أي (٣) كانوا لنا عابدين في تواضع وضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، ولكن شأن الأنبياء أعلى من أن يكون حالهم منحصرًا في الظاهر، فلهم خشوع كامل في القلب والقالب جميعًا، وأكل العبد خشنا، واللبس خشنا، وطأطأة الرأس ونحوها من غير أن يكون في قلبه الإخلاص، والخوف من الله تعالى صفة المرائي والمتصنع.


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.