للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرقت بينكم في هذا النصح وتبليغ الرسالة. فالجار والمجرور حال من مفعول {آذَنْتُكُمْ}؛ أي: كائنين على سواء في الإعلام به، ونحو الآية قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.

وعبارة "البيضاوي" هنا (١): فقل: آذنتكم وأعلمتكم ما أمرت به، أو حربي لكم على سواءٍ؛ أي: مستوين في الإعلام به، أو مستوين أنا وأنتم في العلم، بما أعلمتكم به، أو في المعاداة، أو إيذانًا على سواء، وقيل: أعلمتم أني على سواء؛ أي: عدل واستقامة رأي بالبرهان النير انتهت.

{وَإِنْ أَدْرِي} أي: ما أدري، وما أعلم {أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}؛ أي: ما أعلم جواب أقريب ما توعدون به، من غلبة المسلمين وظهور الدين، أو الحشر مع كونه آتيًا لا محالة، أم بعيد هو، ولا جرم أن العذاب والذلة يلحقكم لا محالة، ولكن لا علم لى بقربه، ولا بعده؛ لأن الله لم يطلعني على ذلك.

و {إِنْ}: نافية. و {أَدْرِي} معلّقة، والجمة الاستفهامية في موضع نصب بـ {أَدْرِي}، وتأخر المستفهم عنه، لكونه فاصلة، إذ لو كان التركيب: أقريب ما توعدون أم بعيد، لم تكن فاصلة، وكثيرًا ما يرجح الحكم في الشيء، لكونه فاصلة آخر آية ذكره في "البحر".

ومعنى الآية: أي (٢) فإن أعرضوا عن توحيد المعبود، فقل لهم، يا محمد: إني أعلمتكم بأني محارب لكم، على إعلان، ولكن لا أدري متى يأذن لي ربي في محاربتكم، فتبين بهذا، أن السورة مكية، فإن الأمر بالجهاد كان بعد الهجرة.

وعن ابن عامر في رواية (٣) {وَإِنْ أَدْرِي} بفتح الياء في الآيتين تشبيهًا بياء الإضافة لفظًا، وإن كانت لام الفعل لا تفتح إلّا بعامل. وأنكر ابن مجاهد هذه الياء، والمعنى: أنه تعالى لم يُعْلِمْني علمه، ولم يطلعني عليه، والله هو العالم، الذي لا يخفى عليه شيء.


(١) البيضاوي.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.