للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا (١) ردٌّ على اليهود حين قالوا: إنَّ جبريل ينزل بالحرب والشدّة، فقيل لهم: إنْ كان ينزل بالحرب والشدة على الكافرين، فإنّه ينزل بالهدى والبشرى للمؤمنين، وقوله: {وَهُدًى وَبُشْرَى} (٢) معطوفان على {مُصَدِّقًا} فهما حالان، فيكون من وضع المصدر موضع اسم الفاعل، كأنَّه قال: وهاديًا ومبشِّرًا أو من باب المبالغة، كأنّه لمَّا حصل به الهدى والبشرى، جُعِل نفس الهدى والبشرى، والألف في بشرى للتأنيث، كهي في رجعى وهو مصدر.

والخلاصة: أنَّه وصف القرآن بتصديقه لِمَا تقَّدمه من الكتب الإلهية، وأنّه هدى، إذ فيه بيان ما وقع التَّكْليف به من أعمال القلوب والجوارح، وأنّه بشرى لمن حصل له الهدى، فصار هذا الترتيب اللفظيُّ في هذه الأحوال؛ لكون مدلولاتها ترتبت ترتيبًا وجوديًّا:

فالأوّل: كونه مصدِّقًا للكتب، وذلك؛ لأنَّ الكتب كلَّها من ينبوع واحد.

والثاني: أنَّ الهداية حصلت به بعد نزوله على هذه الحال من التصديق.

والثالث: أنَّه بشرى لمن حصلت له به الهداية، وقوله: {لِلْمُؤْمِنِينَ} خصَّ الهدى والبشرى بالمؤمنين؛ لأنَّ غير المؤمنين لا يكون لهم هُدًى به ولا بشرى، كما قال: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}؛ ولأنَّ المؤمنين هم المبشَّرون، كما قال: {فبشِّر عبادي} {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ}. ودلَّت هذه الآية على تعظيم جبريل، والتنويه بقدره، حيث جعله الواسطة بينه تعالى وبين أشرف خلقه، والمنزَّل بالكتاب الجامع للأوصاف المذكورة، ودلت على ذم اليهود حيث أبغضوا من كان بهذه المنزلة الرفيعة عند الله تعالى.

وهذه الآية (٣) تعلَّقت بها الباطنية حيث قالوا: إنّ القرآن إلهامٌ، والحروف


(١) الواحدي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.