للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) يأتونك ليحضروا منافع لهم في الدنيا، من تجارة رائجة وسلع نافقة، ومنافع في الآخرة، بما يعملون من عمل يرضي ربهم، وبما يحمدونه على النعم التي تترى عليهم، وما رزقهم من الهدايا والبدن التي أهدوها أيام النحر الثلاثة، يوم العيد ويومين بعده، والفاء في قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} عاطفة على محذوف، تقديره: فاذكروا اسم الله على ضحاياكم، فكلوا من لحومها إذ كانت مستحبة، والأمر فيه للإباحة، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، ويصح أن تكون الفاء فصيحة.

وفي "الخطيب": {فَكُلُوا مِنْهَا}؛ أي: من لحومها أمر إباحة، وذلك أن الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئًا، فأمر الله تعالى بمخالفتهم. واتفق العلماء، على أن الهدى، إذا كان تطوعًا يجوز للمهدي أن يأكل منه، وكذلك أضحية التطوع، واختلفوا في الهدى الواجب بالشرع، مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج، وفوته وجزاء الصيد، هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئًا؟، قال: الشافعي - رحمه الله -: لا يأكل منه شيئًا، وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر. وقال ابن عمر - رضي الله عنه -: لا يأكل من جزاء الصيد والنذر، ويأكل مما سوى ذلك، وبه قال: أحمد وإسحاق، وقال مالك: يأكل من هدي التمتع، ومن كل هدي وجب عليه، إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والنذر، وعن أصحاب أبي حنيفة، أنه يأكل من دم التمتع والقران، لكونها دم الشكر لا دم الجناية، ولا يأكل من واجب سواهما، اهـ. وكذا لا يأكل أولاده وأهله وعبيده وإماؤوه، وكذا الأغنياء إذ الصدقة الواجبة حقٌّ للفقراء.

والأمر في قوله: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} للوجوب؛ أي: وأطعموا البائس الذي أصابه بؤس وشدة وزمانة، {الْفَقِيرَ}؛ أي: المحتاج، فذكر الفقير بعده لمزيد الإيضاح. فالبائس الشديد الفقر، والفقير المحتاج الذي أضعفه الإعسار ليس له غنى، أو البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون


(١) المراغي.