للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتكون كلمة عدو دينه السفلى، أو كلمة من ينصر أولياءه هي العليا. ولقد أنجز الله وعده حيث سلط المهاجرين والأنصار على صناديد قريش، وأكاسرة العجم وقياصرة الروم، وأورثهم أرضهم وديارهم. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه {لَقَوِيٌّ} على كل ما يريده {عَزِيزٌ} لا يمانعه شيء ولا يدافعه. والقوي (١) القادر على الشيء. والعزيز الجليل الشريف. قاله الزجاج.

وقيل: الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع. وفي (٢) "بحر العلوم" غني بقدرته وعزته في إهلاك أعداء دينه عنهم، وإنما كلفهم النصر باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة الأعداء، وبذل الأرواح، والأموال لينتفعوا به، ويصلوا بامتثال الأمر فيها، إلى منافع دينية ودنيوية. فإن قلت (٣): فإذا كان الله قوياً عزيزًا غالبًا غلبة لا يجد معها المغلوب نوع مدافعة وانفلات، فما وجه انهزام المسلمين في بعض المغازي وقد وعدهم الله تعالى النصر؟

قلت: إن النصرة والغلبة منصب شريف، فلا يليق بحال الكافر، لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار، وأخرى على المؤمنين؛ لأنه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات، لحصل العلم الاضطراري، بأن الإيمان حق، وما سواه باطل، ولو كان كذلك لبطل التكليف، والثواب، والعقاب. فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان، وأخرى على أهل الكفر، لتكون الشبهات باقية، والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل في صحة الإسلام، فيعظم ثوابه عند الله، ولأن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي. فيكون تشديد المحنة عليه في الدنيا كفارة له في الدنيا، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبًا من الله، كالطاعون مثلًا. فإنه رحمة وطهرة للمؤمنين، ورجز - أي: عذاب - وغضب للكافرين.

روي: أنَّ عامرًا مرَّ برجل قد صلبه الحجاج، فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين أضر بالمظلومين، فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت، وكأنه دخل


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.