للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التكذيب. {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ}؛ أي: أخذت كل فريق من فرق المكذبين، بعد انقضاء مدة إملائه، وإمهاله بعذاب الطوفان والريح الصرصر، والصيحة، وجند البعوض، والخسف، والحجارة، وعذاب يوم الظلة، والغرق في بحر القلزم، والاستفهام في قوله: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} للتقرير، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه. والمعنى: فليقر المخاطبون بأن إهلاكي لهؤلاء، كان واقعًا موقعه هذا، وحمله على التعجب أوضح. فكأنه قيل: ما أشد ما كان إنكاري عليهم؛ أي: فانظر كيف كان إنكاري عليهم بتغيير ما كانوا فيه من النعم محنًا، والحياة هلاكًا، والعمارة خرابًا؛ أي: فكان ذلك في غاية الهول، والفظاعة. وحاصل الآية: قد أعطيت هؤلاء الأنبياء ما وعدتهم من النصرة، فاستراحوا، فاصبر أنت إلى هلاك من يعاديك فتستريح.

والنكير اسم من المنكر. قال الزجاج: أي: ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار. قال الجوهري: النكير والإنكار تغيير المنكر. وأثبت ياء نكير، حيث وقع في القرآن، وَرْشٌ في الوصل، وحذفها في الوقف. والباقون يحذفونها وصلًا، ووقفًا اهـ "سمين".

والمعنى: أي (١) فإن يكذبك هؤلاء المشركون بالله على ما آتيتهم به من الحق، وما يعدهم به من العذاب على كفرهم به .. فلست بأوحدي في ذلك، فتلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية، المكذبة لرسلها، وذلك منهاج من قبلهم، فلا يصدنك ذلك فإن العذاب من ورائهم، ونصري إياك وأتباعك عليهم آت لا محالة، كما أتى عذابي على أسلافهم، من الأمم من قبلهم، بعد الإمهال. فقد أمهلت أهل الكفر من هذه الأمم، فلم أعاجلهم بالنقمة، والعذاب، ثم أحللت بهم عقابي بعدئذٍ. فانظر أيها الرسول كيف كان تغييري، ما كان بهم من نعمة، وتنكري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم، ألم أبدلهم بالكثرة قلة، وبالحياة موتًا وهلاكًا، وبالعمارة خرابًا. فكذلك سأفعل بمكذبيك من قريش، وإن أمليت لهم


(١) المراغي.