للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: ذات خضرة؛ أي: فتصير الأرض نامية بما فيه رزق العباد، وعمارة البلاد. والفاء فيه للعطف على {أنزل}. وارتفع الفعل بعد الفاء لكون استفهام التقرير بمنزلة الخبر. كما قاله الخليل وسيبويه. وفي "الشهاب" ولم ينصب (١) هذا المضارع في جواب الاستفهام؛ لأنه استفهام تقريري مؤول بالخبر؛ أي: قد رأيت. والخبر لا جواب له. وأيضًا لا تصح السببية هنا، فإن الرؤية لا يثبت عنها إخضرار الأرض، بل إنما يوجبه إنزال المطر. وأيضًا جواب الاستفهام ينعقد منه شرط وجزاء، وهنا لا يصح ذلك، إذ لا يقال: إن تر إنزال المطر تصبح الأرض، اهـ. ملخصًا منه.

وقرىء {مُخْضَرَّةً} على وزن مفعلة ومسبعة. قال الزمخشري: فإن قلت (٢): هلا قيل: فأصبحت، ولم صرف إلى لفظ المضارع؟

قلت: لنكتة فيه، وهي إفادة بقاء أثر المطر زمانًا بعد زمان، كما تقول: أنعم عليَّ فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكرًا له. ولو قلت: فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع، اهـ. قال ابن عطية (٣): ولا يكون هذا الإخضرار في صباح ليلة المطر إلا بمكة وتهامة، والظاهر أن المراد بالإخضرار اخضرار الأرض في نفسها لا باعتبار النبات فيها، كما في قول تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}.

وقال أبو عبد الله الرازي في "تفسيره الكبير" قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} إلى قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} ذكر هنا من آثار قدرته ستة أشياء:

أولها: إنزال المطر الناشىء عنه اخضرار الأرض، وفسر الرؤيا بالعلم دون الإبصار؛ لأن الماء وإن كان مرئيًا إلا أن كون الله منزلًا له من السماء غير مرئي. وقال: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ} دون أصبحت لإفادته بقاء أثر المطر زمانًا بعد زمان.

الثاني: قوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ومن جملته خلق المطر،


(١) الشهاب.
(٢) الكشاف.
(٣) البحر المحيط.