للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الامتنان بها، ولعجيب تسخيرها دون سائر المسخرات اهـ. "سمين".

وقرأ الجمهور (١): {وَالْفُلْكَ} بالنصب، وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن الحسن، وانتصب عطفًا على {مَا}. وجوز أن يكون معطوفًا على الجلالة، بتقدير وأن الفلك، وهو إعراب بعيد عن الفصاحة. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وجملة تجري خبره.

{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ}؛ أي: وإن الله سبحانه يمسك السماء من {أَنْ تَقَعَ} وتسقط {عَلَى الْأَرْضِ} بأن خلقها متداعية إلى الاستمساك. يقال: أمسك الشيء إذا أخذه والوقوع السقوط. {إِلَّا بِإِذْنِهِ} أي: إلا بمشيئته، وإرادته.

قال الراغب: الإذن في الشيء: الإعلام بإجازته، والرخصة فيه، انتهى. وذلك يوم القيامة. وفيه رد لاستمساكها بذاتها، فإنها مساوية لسائر الأجسام في الجسمية، فتكون قابلة للميل الهابط، كقبول غيرها، والمعنى؛ أي: وإن الله يمسك أجرام الكواكب من شمس، وقمر، وكواكب نيرات بنظام الجاذبية، إذ جعل لكل منها مداراً خاصًا بها، لا تعدوه بحالٍ، ولا تزال كذلك ما بقيت الحياة الدنيا، حتى إذا اقتربت الساعة اختل نظامها. وانتثرت في الفضاء، كما ألمع إلى ذلك سبحانه بقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢)} الآية. ولولا هذا النظام الخاص لاصطدمت الكواكب العظيمة بعضها ببعض. وفسد العالم الأرضي ولم يعش على ظهر البسيطة إنسان، ولا حيوان.

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}؛ أي: كثير الرأفة والرحمة، حيث سخر هذه الأمور لعباده، وهيأ لهم أسباب المعاش، وأمسك السماء أن تقع على الأرض فتهلكهم، تفضلاً منه على عباده، وإنعاماً عليهم، وفتح لهم أبواب المنافع ودفع عنهم أنواع المضار، وأوضح لهم مناهج الاستقلال بالآيات التكوينية، والتنزيلية. والرؤوف (٢) بمعنى الرحيم، إذ الرأفة أشد الرحمة، أو أرقها. كما في "القاموس". قال في "بحر العلوم". {الرؤوف}؛ أي: المريد


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.