للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نَاسِكُوهُ} صفة لمنسكًا مؤكدة للقصر، المستفاد من تقديم الجار والمجرور على الفعل، والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها؛ أي: تلك الأمة المعينة هي الناسكة والعاملة به لا غيرها. فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام، منسكهم التوراة هم ناسكوها، والعاملون بها لا غيرهم، والأمة التي من مبعث عيسى إلى مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم -، منسكهم الإنجيل هم ناسكوه، والعاملون بها لا غيرهم، والأمة التي من مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلى يوم القيامة منسكهم الفرقان ليس إلا، لأن لكل زمان ما يليق به من الشرائع، التي تناسب من فيه في تلك الحقبة. والمنسك مصدر ميمي مأخوذ من النسك، وهو العبادة. لا اسم (١) مكان، كما يدل عليه قوله: {هُمْ نَاسِكُوهُ}، ولم يقل ناسكون فيه. وقيل المنسك موضع أداء العبادة. وقيل: هو الذبائح. ولا وجه للتخصيص، ولا اعتبار بخصوص السبب. والفاء: في قوله: {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ}: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت يا محمد أنا جعلنا لكل أمة منسكًا، وأردت بيان ما هو اللازم لمعاصريك، فأقول لك: لا ينزعنك؛ أي: لا يخاصمنك من يعاصرك من أهل الملل. {فِي الْأَمْرِ}؛ أي: في أمر دينك، زعمًا منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم الأولين من التوراة والإنجيل فإنهما شريعتان لمن مضى من الأمم قبل انتساخها، وهؤلاء أمة مستقلة، منسكهم القرآن المجيد فحسب.

والنهي إما على حقيقته، أو كناية عن نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات إلى نزاعهم له. قال الزجاج: إنه نهي له - صلى الله عليه وسلم - عن منازعتهم؛ أي: لا تنازعهم أنت، كما تقول: لا يخاصمك فلان؛ أي: لا تخاصمه، وكما تقول: لا يضاربنك فلان؛ أي: لا تضاربه. وذلك أن المفاعلة تقتضي العكس ضمنًا.

والمعنى: أي (٢) فلا ينبغي لهم أن ينازعوك في أمر هذا الدين، فإن تعيينه تعالى لكل أمة شريعة خاصة، موجب لطاعة هؤلاء لك، وعدم منازعتهم إياك في


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.