الأعظم أبو حنيفة والإمام مالك: دل مقارنة السجود بالركوع في الآية على أن المراد سجود الصلاة، ثم عمَّم فقال:{وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}؛ أي: واعبدوه بسائر ما تعبدكم به خالصًا لوجهه.
{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الذي أمركم بفعله، من صلة الأرحام ومكارم الأخلاق. وقيل: فعل (١) الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله تعالى، وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله، ويدخل فيه البر والمعروف، والصدقة وحسن القول وغير ذلك من أعمال البر. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ أي: لكي تسعدوا وتفوزوا من ربكم بما تأملون من الثواب والرضوان والجنة؛ أي: افعلوا هذه كلها وأنتم راجون بها الإفلاح، غير متيقنين له واثقين بأعمالكم.
فصل في حكم سجود التلاوة هنا
لم يختلف العلماء في السجدة الأولى من هذه السورة، واختلفوا في السجدة الثانية. فروي عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى أنهم قالوا: في الحج سجدتان. وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
يدل عليه ما روي عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله، أفي الحج سجدتان؟ قال:"نعم. ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما". أخرجه الترمذي وأبو داود. وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ سورة الحج، فسجد فيها سجدتين، وقال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين. أخرجه مالك في الموطأ.
وذهب قوم إلى أن في الحج سجدة واحدة، وهي الأولى وليست هذه بسجدة. وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك، بدليل أنه قرن السجود بالركوع، فدل ذلك على أنها سجدة