للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لك، وإن كان الغرض منه أن يتميَّز به الفرقُ بين السحر والمعجزة، ولكنَّه يمكنك أن تتوصَّل به إلى المفاسد والمعاصي. فإيَّاك بعد وقوفك عليه أن تستعمله فيما نُهِيت عنه، أو تتوصَّل به إلى شيء من الأغراض العاجلة.

وفي هذا (١) إيماءٌ إلى أنَّ تعلُّم السحر، وكُلِّ ما لا يجوز اتباعه، والعمل به ليس محظورًا، وإنّما الذي يحظر ويمنع هو العمل به فحَسْبُ. وإنما كانا يقولان ذلك إِبْقاءً على حسن اعتقاد الناس فيهما، إذ كانا يقولان: إنّهما ملكان، كما نسمع الآن من الدجالين يحترفون مثل ذلك، لمن يعلِّمونهم الكتابة للحبِّ، والبغض، نوصيك بأن لا تكتب هذا لجلب امرأةٍ إلى حبِّ غير زوجها، ولا تكتب لأحد زوجين أن يبغض الآخر، بل تجعل ذلك للمصلحة العامَّة، كالحُبِّ بين الزوجين، والتفريق بين عاشقين فاسقين، وهذا منهم إيهامٌ بأنَّ علومهم إلهِيَّةٌ، وقرأ الجمهور {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} بفتح التاء، وهما بدلٌ من الملكين، وتكون الفتحة علامةً للجر؛ لأنّهما ممنوعان من الصرف لما مرَّ. وقرأ الحسن، والزهريُّ: {هاروتُ وماروتُ} بالرفع، فيجوز أن يكونا خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هما هاروت وماروت {فَيَتَعَلَّمُونَ} عطف (٢) على الجملة المنفيَّة، فإنّها في قوَّة المثبتة، كأنّه قيل: يعلِّمانهم بعد قولهما، إنما نحن فتنة ... الخ، والضمير لأحد حملًا على المعنى، والمراد به: السحرة؛ أي: فالنَّاس يتعلَّمون {مِنْهُمَا}؛ أي: من الملكين، أو من السحرِ، والمنزَّلِ على الملكين، أو من الفتنة والكفر؛ أي: فيأتي السحرة من الناس الملكين، فيتعلَّمون من الملكين {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ}، أي: بسببهِ واستعمالهِ {بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}؛ أي: يتعلَّمون منهما من علم السحر ما يكون سببًا في التفريق بين الزوجين ببغض كل واحدٍ منهما إلى الآخر، فبعد أن كانت المودَّة، والمحبة بينهما، يُصبح الشقاق، والفراق، والخِلاف بينهما، عند ما فعلوا من السحر، كالتَّمويه، والتَّخييل، والنَّفث في العقد، ونحو ذلك ممَّا يُحدث الله عنده البغضاء، والنشوز، والخلافَ بين الزوجين، ابتلاءً من الله تعالى؛ لأنَّ


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.