والجار والمجرور من ضرائر الشعر، وأقبح من ذلك أن لا يكون ثمَّ مضافٌ إليه؛ لأنّه مشغولٌ بعاملٍ جارٍ، فهو المؤثِّر فيه لا الإضافة، وأمَّا جعل حرف الجر جُزْءًا من المجرور، فهذا ليس بشيءٍ؛ لأنّه مؤثّر فيه، وجزء الشيء لا يؤثر في الشيء، والأجود التخريج الأوّل؛ لأنَّ له نظيرًا في نظم العرب ونثرها، فمن النثر قول العرب:
قَطَاقطَا بَيْضُكِ ثِنْتَا وَبَيْضِي مائتا
يُريدُون ثِنْتَان ومِائتَانِ {وَيَتَعَلَّمُونَ} منهما {مَا يَضُرُّهُمْ} في الدنيا والآخرة، ولا ينفعهم، صرَّح (١) بذلك؛ إيذانًا بأنّه ليس من الأمور المشوبة بالنفع والضَّرر، بل هو شرٌّ بحتٌ وضررٌ محضٌ، لأنّهم لا يقصدون به التخلُّصَ عن الاغترار بأكاذيب من يدَّعي النبوَّة مثلًا من السحرة، أو تخليصَ النَّاس منه حتى يكون فيه نفعٌ في الجملة. وعبارة أبي حيان: لمَّا ذكر أنّه يحصل به الضرر لمن يفرَّق بينهما، ذكر أيضًا أنَّ الضرر لا يقتصر على من يُفعل به ذلك، بل هو أيضًا يضرُّ مَن تعلَّمه، ولمَّا كان إثبات الضرر بشيء لا ينفي النَّفع؛ لأنّه قد يوجد الشيء فيحصل به الضرر، ويحصل به النفع، نَفَى النفع عنه بالكليَّة وأتى بلفظ لا؛ لأنّها يُنفى بها الحال والمستقبل، والظاهر أنَّ {وَلَا يَنْفَعُهُمْ} معطوفٌ على {يَضُرُّهُمْ} وكلا الفعلين صلةٌ لما، فلا يكون لها موضعٌ من الإعراب، وجوَّز بعضهم أن يكون {لا ينفعهم} على إضمار هو؛ أي: وهو لا ينفعهم فيكون في موضع رفعٍ، وتكون الواو للحال، وتكون جملةً حاليَّةً، وهذا الوجه ضعيفٌ، وقد قيل: الضرر وعدم النفع مختصٌّ بالآخرة.
وقيل: هو في الدنيا والآخرة، فإنَّ تعلُّمه إن كان غير مباح، فهو يجرُّ إلى العمل به، وإلى التنكيل به إذا عُثِر عليه، وإلى أنَّ ما يأخذه عليه حرامٌ، هذا في الدنيا، وأمَّا في الآخرة فلِمَا يترتَّب عليه من العقاب. انتهى. قال المراغي: وهذا مِما يعاقبُ الله عليه، ومَنْ عُرِف بإيذاء الناس أبغضوه، واجتنبوه، ولا نفع لهم فيه، فإنَّا نرى منتحلي هذه المِهَنِ مِنْ أفقر الناس وأَحْقِرهم، وذلك حالُهم في