للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معانيه؛ لظهر لهم صدقه، وآمنوا به وبما فيه، والاستفهام فيه (١) لإنكار الواقع واستقباحه داخل على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفعل الكفار ما فعلوا من النكوص والاستكبار والهجر، فلم يتدبروا القرآن ليعرفوا بما فيه من إعجاز النظم، وصحة المدلول، والإخبار عن الغيب. أنه الحق من ربهم، فيؤمنوا به فضلًا عما فعلوا في شأنه من القبائح. والتدبر إحضار القلب للفهم، وفي "الجلالين" والاستفهام المصرح به في هذا الموضع والذي في ضمن (أم) في المواضع الثلاثة الآتية للتقرير؛ أي: حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه؛ أي: وللتوبيخ، كما ذكره غيره، انتهى بتصرفٍ وزيادة من "الجمل".

والمعنى (٢): أي إنهم لم يتدبروا القرآن، فيعلموا ما خص به من فصاحة وبلاغة، وقد كان لديهم فسحة من الوقت، تمكنهم من التدبر فيه، ومعرفة أنه الحق من ربهم، وأنه مبرأ من التناقض، وسائر العيوب التي تعتري الكلام، إلى ما فيه من حجج دامغة وبراهين ساطعة، إلى ما فيه من فضائل الآداب وسامي الأخلاق، إلى ما فيه من تشريع إن هم اتبعوه .. كانوا سادة البشر، واتبعهم الأسود والأحمر، كما كان لمن اتبعه من السابقين الأولين من المؤمنين.

والثاني: ما ذكره بقوله: {أَمْ جَاءَهُمْ}؛ أي (٣): هل جاءهم من الكتاب وبعثة الرسل {مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ} كأسماعيل عليه السلام، وأعقابه من عدنان وقحطان ومضر وربيعة وقس والحرث بن كعب وأسد بن خزيمة وتميم بن مرة وتبع وضبة بن آد، فكلهم آمنوا بالله تعالى وكتبه ورسله، فإن مجيء الكتاب من الله تعالى إلى الرسل عادة قديمة له تعالى، وأن مجيء القرآن على طريقته، فمن أين ينكرونه.

وأم فيه منقطعة، مقدرة ببل (٤)، التي للإضراب الانتقالي عن التوبيخ، بما ذكر إلى التوبيخ بأمر آخر، وبالهمزة التي لإنكار الواقع؛ أي: بل أجاءهم من


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.