للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خلقناكم؛ أي: وحسبتم عدم رجوعكم إلينا، يعني: أن الحكمة من خلقكم الأمر بالعمل، ثم البعث للجزاء. ومعنى الرجوع إلى الله إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه.

قال الترمذي: إن الله خلق الخلق ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة، ويعاقبهم على تركها. فإن عبدوه .. فإنهم عبيد أحرار، كرام عن رق الدنيا، ملوك فى دار السلام. وإن رفضوا العبودية .. فهم اليوم عبيد أُبَّاق، سقاط لئام، وغدًا أعداء فى السجون، بين أطباق النيران.

والمعنى: أي (١) أظننتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم إذ خلقناكم لعبًا وباطلًا، كلا، بل خلقناكم لنهذبكم ونعلمكم، لترتقوا إلى عالم أرقى مما أنتم فيه، لا كما ظننتم أنكم لا ترجعون إلينا للحساب والجزاء. وفي هذا إشارة إلى أن الحكمة تقتضي تكليفم وبعثهم لمجازاتهم على ما قدموا من عمل، وأسلفوا من سعي فى الحياة الدنيا.

حكاية

وعن بهلول (٢) قال: كنت يومًا فى بعض شوارع البصرة، فإذا بصبيان يلعبون بالجوز واللوز، وإذا أنا بصبي ينظر إليهم ويبكي، فقلت: هذا صبي يتحسر على ما فى أيدي الصبيان، ولا شيء معه فيلعب به، فقلت: أي بني ما يبكيك، أشتري لك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان؛ فرفع بصره إليّ، وقال: يا قليل العقل، ما للعب خلقنا؟ فقلت: أي بني لماذا خلقنا؟ فقال: للعلم والعبادة، ققلت: من أين لك ذلك، بارك الله فيك، قال: من قول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)} قلت: أي بني أراك حكيمًا فعظني وأوجز، فأنشا يقول:

أَرَى الدُّنْيَا تُجَهِّزُ بِانْطِلاَقِ ... مُشَمِّرَةً عَلَى قَدَمٍ وَسَاقِ


(١) المراغى.
(٢) روح البيان.