للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَإِنَّهُ}؛ أي: فإن الشيطان {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} علة للجزاء موضعه؛ لأن دأبه أن يستمر آمرًا لغيره بهما. والفحشاء ما أفرط قبحه من المنكرات كالزنا. والمنكر كل ما ينكره الشرع. وضمير إنه للشيطان. وقيل: للشأن. والأولى أن يكون عائدًا إلى من يتبع خطوات الشيطان؛ لأن من اتبع الشيطان صار مقتديًا به في الأمر بالفحشاء والمنكر. وعبارة أبي السعود هنا. وقيل: إن الضمير في أنه عائد على من؛ أي: فإن المتبع للشيطان يأمر الناس بهما؛ فإن شأن الشيطان هو الإضلال، فمن اتبعه فإنه يترقى من رتبة الضلال والفساد إلى رتبة الإضلال والإفساد.

والمعنى: أي ومن اتبع الشيطان ارتكب الفحشاء والمنكر، فإنه لا يأمر إلا بهما. ومن هذا شأنه لا ينبغي اتباعه ولا طاعته.

ثم أكد منته على عباده، فقال: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ} سبحانه {عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لكم بهذه البيانات، والتوفيق للتوبة الماحية للذنوب، وشرع الحدود المكفرة لها .. {مَا زَكَى}؛ أي: ما طهر من دنس الذنوبـ {مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ}! {من}: الأولى بيانية، والثانية: زائدة، و {أَحَدٍ} في حيز الرفع على الفاعلية. {أَبَدًا}؛ أي: آخر الدهر لا إلى نهاية، وجملة {زَكَى} جواب {لَوْلَا} الامتناعية.

والمعنى: أي (١) ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكم، بتوفيقكم للتوبة التي تمحو الذنوب، وتغسل أدرانها .. ما طهر أحد منكم من ذنبه ما دام حيًا، وكانت عاقبته النكال والوبال. ولعاجلكم بالعقوبة، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}.

وقال الكسائي (٢): إن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} معترض. وقوله: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} جواب لقوله أولًا وثانيًا. {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ} وقوله: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} يفيد (٣) أنهم قد طهروا وتابوا،


(١) المراغى.
(٢) الشوكاني.
(٣) الفتوحات.