للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البصر". فقال: {قُلْ} يا محمد {لِلْمُؤْمِنِينَ} وخص (١) على غيرهم لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها، وأولى بذلك ممن سواهم. وقيل: إن في الآية دليلًا على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم ومقول القول أمر قد حذف لدلالة جوابه عليه، تقديره: قل لهم: غضوا. {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؛ أي: يكفوا أبصارهم عن الحرام. والغض (٢) إطباق الجفن، بحيث يمنع الرؤية. ومنه قول جرير:

وَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلاَ كَعْبًا بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا

وقول عنترة:

وَأَغُضُّ طَرْفِيْ مَا بَدَتْ لِيْ جَارَتِيْ ... حَتَّى تُوَارِيْ جَارَتِيْ مَأْوَاهَا

و (من) في قوله: {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} زائدة، أو تبعيضية. وإليه ذهب الأكثرون؛ لأن الغالب أن الاحتراز عن النظرة الأولى لا يمكن؛ لأنها تقع بغير قصد، فوقع العفو عنها. سواء قصدها، أو لم يقصدها , ولا يجوز أن يكرر النظر إلى الأجنبية. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة". وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه.

ومعنى {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}: أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم. وقيل: المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لا تحل له رؤيتها, ولا مانع من إرادة المعنيين فالكل يدخل تحت حفظ الفرج. والفرج الشق بين الشيئين، كفرجة الحائط. والفرج ما بين الرجلين، وكنى به عن السوءة، وكثر حتى صار كالصريح فيه.

وأتى بمن التبعيضية (٣) في جانب الأبصار دون الفروج، مع أن المأمور به حفظ كل واحد منهما عن بعض ما تعلقا به. فإن المستثنى من البصر كثير، فإن الرجل يحل له النظر إلى جميع أعضاء أزواجه، وأعضاء ما ملكت يمينه. وكذا لا


(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.