للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اليهود، وعدم قبول آرائهم في شيء من أمور دينهم، ذكر هنا وجه العلة في ذلك، وهي أنَّ كثيرًا منهم يودون لو ترجعون كفارًا حسدًا لكم ولنبيّكم، فهم لا يكتفون بكفرهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والكيد له بنقض ما عاهدهم عليه، بل يحسدونكم على نعمة الإِسلام، ويتمنون أن تحرموا منها.

وقد كان لأهل الكتاب حيلٌ في تشكيك المسلمين في دينهم، فقد طلب بعضهم من بعض أن يؤمنوا أوَّل النهار، ويكفروا آخره كي يتأسَّى بهم بعض ضعاف الإيمان من المسلمين، وكانوا يلقون بعض الشبه على المؤمنين، ليشككوهم في دينهم.

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها من حيث إنَّ هذه الآيات في بيان أباطيل أخر لأهل الكتاب وقبائحهم، حيث ادَّعى كلٌّ من الفريقين اليهود والنصارى أنَّ الجنّة خاصَّةٌ به، وطعن في دين الآخر، فأكذب الله الفريقين، وبيَّن أنّ الجنّة إنّما يفوز بها المؤمن التقيُّ الذي عمل الصالحات.

واعلم: أنّ الله سبحانه ذكر في هذه الآية حالين من أحوال اليهود (١):

أولاهما: تضليل من عداهم، وادعاؤهم أنَّ الحق لا يعدوهم، وأنّ النبوة مقصورةٌ عليهم.

وثانيهما: تضليل اليهود للنصارى، وتضليل النصارى لهم، كذلك مع أنَّ كتاب اليهود أصل لكتاب النصارى، وكتاب النصارى متمِّمٌ لكتاب اليهود.

والعبرة من هذا القصص: أنَّهم قد صاروا إلى حال من اتباع الأهواء، لا يعتدُّ معها بقول أحد منهم، لا في نفسه، ولا في غيره، فطعنهم في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإعراضهم عن الإيمان به، لا يثبت دعواهم في أنّه مخالف للحق، فاليهود قد كفروا بعيسى، وقد كانوا ينتظرونه، والنصارى كفروا بموسى ورفضوا التوراة، وهي حجتهم على دينهم، فكيف بعدئذٍ يعتدُّ برأيهم في محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ وهو من غير


(١) المراغي.