أيها المؤمنون شرائع دينكم وأحكامه، والله عليم بما يصلح أحوال عباده. حكيم في تدبير أمورهم، فيشرع لهم ما يصلح أحوالهم في المعاش والمعاد.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، ترك الناس ثلاث آيات، فلم يعملوا بهن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية. وقوله في النساء:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} الآية. وقوله في الحجرات:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وعن عكرمة عن ابن عباس، أن رجلين من أهل العراق، سألاه عن الاستئذان في العورات الثلاث، التي أمر الله بها في القرآن، فقال: إن الله ستير يحب الستر، كأن الناس ليس لهم ستور على أبوابهم. وحجال في بيوتهم، فربما فجأ الرجل خادمه، أو ولده، أو يتيمه في حجره، وهو على أهله، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات، ثم بسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور، واتخذوا الحجال، فرأوا أن ذلك قد كفاهم، من الاستئذان الذي أمروا به.
ففيه (١) دليل على أن الحكم إذا ثبت لمعنى، فإذا زال المعنى، زال الحكم، فالتبسط في اللباس والمعاش والسكنى، ونحوها مرخص فيه، إذا لم يؤد إلى كبر واغترار. قال عمر - رضي الله عنه -: إذا وسع الله عليكم، فوسعوا على أنفسكم. ويقال: اليسار مفسدة للنساء، لاستيلاء شهواتهن على عقولهن. وفي الحديث:"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده". يعني: إذا أتى الله عبده نعمته من نعم الدنيا، فليظهرها من نفسه، وليلبس ثيابًا نظيفةً، يليق بحاله، ولتكن نيته في لبسه إظهار نعمة الله عليه، ليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات، وليس لبس الخلق مع اليسار من التواضع.
وفي الآية رخصة في اتخاذ العبيد والإماء للخدمة، لمن قام بحقهم. وبيان أن حق الموالي عليهم الخدمة. ودلت الآية على أن من لم يبلغ، وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع. وينهي عن ارتكاب القبائح، فإنه تعالى أمرهم بالاستئذان في