سبحانه ذكر {مِن} مرتين. ولو كان كما قرؤوا لقال:{أن نتخذ من دونك أولياء} بحذف {من} الثانية. وقيل: أن {من} الثانية زائدة. وقرأ عيسى الأسود القارىء {ينبغى} مبنيًا للمفعول. قال ابن خالويه: زعم سيبويه أنها لغة. وقرأ علقمة {ما ينبغي} بسقوط كان. وقراءة الجمهور بثبوتها أمكن في المعنى, لأنهم أخبروا عن حال، كانت في الدنيا ووقت الإخبار، لا عمل فيه ذكره أبو حيان.
وفي "الروح": إنَّ {مِنْ} الثانية زائدة، لتأكيد النفي، وأولياء مفعول به لـ {نَتَّخِذَ}. وهو من اتخذ الذي يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى:{أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا}.
والمعنى (١): ما كان ينبغي لنا، أن نتخذ من دونك معبودين، نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له، وهي العصمة، أو عدم القدرة، فأنى يتصور أن نحمل غيرنا، أن يتخذ وليًا غيرك، فضلًا عن أن يتخذنا وليًا. قال ابن الشيخ: جعل قولهم: ما كان ينبغي لنا ... إلخ كناية عن استبعاد، أن يدعوا واحدًا إلى اتخاذ ولي دونه؛ لأن نفس قولهم: بصريحه لا يفيد المقصود، وهو نفي ما نسب إليهم، من إضلال العباد، وحملهم على اتخاذ الأولياء، من دون الله تعالى.
وفي "التأويلات النجمية": نزهوا الله عن أن يكون له شريك، ونزهوا أنفسهم عن أن يتخذوا وليًا غير الله، ويرضوا لغيرهم، أن يعبدوا غير الله.
ثم حكى عنهم سبحانه، بأنهم بعد هذا الجواب، ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان، فقال:{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ}؛ أي: ما أضللناهم، ولكن جعلتهم وآباءهم متمتعين منتفعين بالغمر الطويل، وأنواع النعم ليعرفوا حقها، ويشكروها، فاستغرقوا في الشهوات، وانهمكوا فيها. {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ}؛ أي: غفلوا عن ذكرك، وتركوا ما وعظوا به، أو غفلوا عن التذكر لآلائك، والتدبر في آياتك، فجعلوا أسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية، وفي هذا نسبة الضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم، فحملهم عليه