{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} من البركة، وهي كثرة الخير لعباده، بإنعامه عليهم وإحسانه إليهم. ثم إن تبارك: فعل ماض جامد لا ينصرف، فلا يأتي منه مضارع ولا اسم فاعل، ولا مصدر. ولا يستعمل في غير الله تعالى.
فائدة في بحث فعل الجامد: والفعل الجامد: هو ما أشبه الحرف من حيث أداؤه معنى مجردًا عن الزمان، والحدث المعتبرين في سائر الأفعال، فلزم مثله طريقة واحدة في التعبير بلفظ واحد، فهو لا يقبل التحول من صيغة إلى صيغة أخرى، بل يلزم صيغة واحدة، ماضيًا كان أو مضارعًا أو أمرًا، مثل عسى وليس ويهيط وهب، بمعنى: أحسب من أخوات ظن، ولم يرد من مادته بهذا المعنى إلا الأمر. وأما هب المشتق من الهبة فإنه فعل أمر متصرف، فماضيه وهب، ومضارعه يهب. والفعل الجامد ثلاثة أقسام ما يلازم صيغة الماضي. مثل عسى وليس ونعم وبئس وتبارك الله سبحانه. وما يلازم صيغة المضارع، مثل: يهيط ومعناه: يصيح ويفح، يقال: ما زال منذ اليوم يهيط هيطًا، وهو مضارع لا ماضي له، كما في "لسان العرب" و"تاج العروس". ويقال: ما زال في هيط وميط بفتح أولهما، وفي هياط ومياط بكسر أولهما؛ أي: ضجاج وشر جلبة. وقيل: في هياط ومياط، في دنو وتباعد. والهياط: الإقبال والميط الإدبار، والهائط: الجائي، والمائط: الذاهب.
والمهايطة والهياط: الصياح والجلبة، وما يلازم صيغة الأمر. نحو هب بمعنى: أحسب وهات وتعال وهلم، على لغة تميم؛ لأنه عندهم: فعل يقبل علامته، فتلحقه الضمائر. أما في لغة الحجاز، فهي اسم فعل أمر؛ لأنها عندهم تكون بلفظ واحد للجميع، ومن الأفعال الجامدة قل بصيغة الماضي للنفي المحض، وإذا لحقته ما الزائدة كفته عن العمل، فلا يليه حينئذٍ إلا الفعل، ولا فاعل له لجريانه مجرى حرف النفي، نحو قلما فعلت كذا، وقلما أفعله؛ أي: ما فعلته ولا أفعله. ومثل قلما في عدم التصرف طالما وكثر ما وقصر ما، وشدما، فإن ما فيهن زائدة للتوكيد، كافة لهن عن العمل فلا فاعل لهن ولا يليهن إلا