للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقومه الذين كذبوا بدلائل التوحيد المودعة في الأنفس والآفاق، فلما ذهبا إليهم كذبوهما، فأهلكناهم أشد إهلاك، ونحو الآية قوله: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} وفي ذلك تسلية لرسوله، وإنه ليس أول من كذب من الرسل، فله أسوة بمن سلف منهم. قيل (١): المراد بالآيات هي المعجزات التسع المفصلات الظاهرة على يد موسى عليه السلام، ولم يوصف القوم عند إرسالهما إليهم بهذا الوصف ضرورة تأخر تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخر عن الأمر به، بل إنما وصفوا بذلك عند الحكاية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيانًا لعلة استحقاقهم لما يحكى بعده من التدمير. وقيل: المراد: {بِآيَاتِنَا} التكوينية؛ أي: العلامات التي خلق الله في الدنيا، كما جرينا عليه في حلنا. وقيل: المراد بها الرسل وكتب الأنبياء الذين قبل موسى، كما في قوله: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} فالباء على كل تقدير متعلقة بـ {كَذَّبُوا} لا بـ {اذْهَبَا}، وإن كان الذهاب إليهم بالآيات، كما في قوله في الشعراء: {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا}. وأما التكذيب فتارة يتعلق بالآيات، كما في قوله في الأعراف: {فَظَلَمُوا بِهَا}؛ أي: بالآيات، وقوله في طه: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا}، وتارة بموسى وهارون، كما في قوله في المؤمنون: {فَكَذَّبُوهُمَا}.

وقوله: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} قبله حذف تقديره: فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا فكذبوهما تكذيبًا مستمرًا، فأهلكناهم إثر ذلك التكذيب المستمر إهلاكًا عجيبًا هائلًا لا يدرك كنهه. فاقتصر على حاشيتي القصة؛ أي: أولها وآخرها اكتفاء بما هو المقصود منها؛ وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل والتدمير بالتكذيب، والفاء للتعقيب باعتبار نهاية التكذيب؛ أي: باعتبار استمراره، وإلا فالتدمير متأخر عن التكذيب بأزمنة متطاولة. وقيل: إن المراد بالتدمير هنا الحكم؛ لأنه لم يحصل عقب بعث موسى وهارون إليهم، بل بعده بمدة. وقرأ (٢) علي والحسن ومسلمة بن محارب: {فدمراهم} على الأمر لموسى وهارون. وعن علي كذلك إلا أنه مؤكد بالنون الشديدة. وعنه أيضًا: {فدمرا بهم} أمرًا لهما بزيادة باء الجر. ومعنى


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.