للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التوبيخ بما هو أعظم منه من عدم توقع النشور" اهـ "أبو السعود"؛ أي (١): بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشورًا ولا عاقبة، فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا كما مرت ركابهم، أو لا يؤملون نشورًا كما يأمله المؤمنون طمعًا في الثواب، أو لا يخافونه على اللغة التهامية. اهـ "بيضاوي". فالرجاء هنا؛ إما بمعنى التوقع، أو الأمل، أو الخوف.

والمعنى: أي أنهم ما كذبوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فيما جاءهم به من عند الله تعالى؛ لأنهم لم يكونوا رأوا ما حل بالقرية التي وصفت، بل كذبوه من قبل أنهم قوم لا يخافون نشورًا بعد الممات، ولا يوقنون بعقاب، ولا ثواب، فيردعهم ذلك عما يأتون من معاصي الله تعالى؛ أي (٢): فإنهم ينكرون النشور المستتبع للجزاء الأخروي، ولا يرون لنفس من النفوس نشورًا وبعثًا أصلًا مع تحققه حتمًا، وشموله للناس عمومًا، واطراده وقوعًا، فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي في حق طائفة خاصة مع عدم الاطراد والملازمة بينه وبين المعاصي حتى يتذكروا ويتعظوا بما شاهدوه من آثار الهلاك، وإنما يحملونه على الاتفاقات.

واعلم: أن النشور لا ينكره إلا الكفور، وقد جعل الله في الدنيا شاهدًا له، ومشيرًا لوقوعه، وفي الخبر: "إذا رأيتم الربيع فاذكروا النشور". والربيع مثل يوم النشور؛ لأن الربيع وقت إلقاء البذر، ويكون الزارع قلبه معلقًا إلى ذلك الوقت أيخرج أم لا؟ فكذلك المؤمن يجتهد في طاعته وقلبه يكون معلقًا بين الخوف والرجاء إلى يوم القيامة، أيقبل الله تعالى منه أم لا؟ ثم إذا خرج الزرع وأدرك يحصد ويداسى ويذرى، ثم يطحن ويخبز، وإذا خرج من التنور بلا احتراق يصلح للخوان، ولو احترق ضاع عمله وبطل سعيه، وكذلك العبد يصلي ويصوم ويزكي ويحج، فإذا جاء ملك الموت، وحصد روحه بمنجل الموت، وجعلوه في القبر يكون فيه إلى يوم القيامة، وإذا جاء يوم القيامة وخرج من قبره، ووقع الحشر والنشور أمر به إلى الصراط، فإذا جاوز الصراط سالمًا فقد صلح للرؤية، وإلا


(١) بيضاوي.
(٢) روح البيان.