للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعنى حقيقة الإيمان، وظاهره الإحسان، وأمَّا باطنه، فمرتبةُ، كنتُ سمعه وبصره؛ أي: بلى يدخل الجنة غيركم؛ لأنّه من أَسْلمَ وَجْهَه لله سبحانه، وهو محسن؛ أي: موحِّد مصدِّق بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - {فَلَهُ أَجْرُهُ} جواب {مَنْ} الشرطية؛ أي: فلذلك المسلم المحسن ثوابه، وأجره على انقياده الظاهريِّ، وتصديقه الباطنيِّ: أي: ثوابه الذي وعد له على عمله، وهو عبارةٌ عن دخول الجنّة، وتصويره (١) بصورة الأجر؛ للإيذان بقوّة ارتباطه بالعمل، واستحالة نيله بدونه حال كون ذلك الأجر ثابتًا مدَّخرًا له {عِنْدَ رَبِّهِ} ومالك أمره، ومدبِّر شؤونه، ومبلِّغه إلى كماله، لا يضيع ولا ينقص؛ والعندية للتشريف، والجملة جواب {مَنْ} الشرطية، كما مرّ آنفًا إن كانت شرطيّة، وخبرها إن كانت موصولة، والفاء حينئذٍ؛ لتضمن معنى الشرط، وعبارة "الخازن" هنا: وإنّما خصَّ الوجه بالذكر؛ لأنّه أشرف الأعضاء، وإذا جاد الإنسان بوضع وجهه على الأرض في السجود، فقد جاد بجميع أعضائه، قال عمرو بن نفيل:

وأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الأرضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا

وأسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أسْلمَتْ ... لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلاَلاَ

يعني بذلك: استسلمت لطاعته الأرض والمزن {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في الآخرة بالخلود في النار، أمَّا في الدنيا، فالمؤمنون أشدُّ خوفًا وحزنًا من غيرهم من أجل خوفهم من العاقبة، فإنَّهم يخافون من أن يصيبهم الشدائد، والأهوال العظام قُدَّامَهَم، ويحزنون على ما فاتهم من الأعمال، والطاعات، المؤدِّية إلى الفوز بأنواع السعادات، فإنَّ المؤمن، كما لا يقنط من رحمة الله، لا يأمن من غضبه وعقابه، كما قيل: لا يجتمع خوفان ولا أمنان، فمن خاف في الدنيا أمن في الآخرة حين يخاف الكفار من العقاب، ويحزن المقصرون على تضييع العمر، وتفويت الثواب، فإنَّ الخوف إنّما يكون مما يتوقَّع في المستقبل، كما أنَّ الحزن على ما وقع سابقًا، ومن أَمِنَ في الدنيا خاف في الآخرة ... وجمع الضمير هنا؛


(١) روح البيان.