للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم: اجعلوا خضوعكم وتعظيمكم للرحمن خالصًا دون الآلهة والأوثان .. قالوا على طريق التجال: وما الرحمن؟ أي: نحن لا نعرف الرحمن فنسجد له، ونحو هذا قول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} حين قال له موسى عليه السلام: {إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وهو قد كان عليمًا به كما يؤذن بذلك قول موسى له: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}.

ثم عجبوا أن يأمرهم بذلك، وأنكروه عليه بقوله: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}؛ أي: أنسجد للذي تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرف أن المسجود له ماذا هو، وهو استفهام إنكاري؛ أي: لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بسجودنا له. وقرأ (١) ابن مسعود والأسود بن يزيد وحمزة والكسائي {يأمرنا} بالياء من تحت؛ أي: يأمرنا محمد بالسجود له، وقرأ باقي السبعة بالتاء، خطابًا للرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ثم بين أنه كلما أمرهم بعبادته ازدادوا عنادًا واستكبارًا، فقال: {وَزَادَهُمْ}؛ أي: وزاد أولئك المشركين هذا الأمر بالسجود للرحمن {نُفُورًا} وبعدًا مما دعوا إليه من الإيمان, وقد كان من حقه أن يكون باعثًا لهم على القبول ثم الفعل. روى الضحاك أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدوا، فلما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين.

فمن (٢) جهل وجود الرحمن أو علم وجوده، وفعل فعلًا، أو قال قولًا لا يصدر إلا من كافر فكافر بالاتفاق، كما في "فتح الرحمن"، وذلك كما إذا سجد للصنم، أو ألقى المصحف في المزابل، أو تكلم بالكفر يكفر بلا خلاف لكونه علامة التكذيب.

فصل

وهذه السجدة من عزائم السجدات، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.