للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلى أهاليهم، أو في جميع مصارف الخير {لَمْ يُسْرِفُوا}؛ أي: لم يجاوزوا الحد المشروع في ذلك الإنفاق {وَلَمْ يَقْتُرُوا}؛ أي: ولم يضيّقوا تضييق الشحيح. وقرأ (١) الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم: {ولم يقتروا} بفتح الياء وضم التاء، وقرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء، وقرأ نافع وابن عامر بضم الياء وكسر التاء مشددة، وكلها لغات في التضييق، وأنكر أبو حاتم لغة {أقتر} رباعيًا هنا، وقال: أقتر إذا افتقر، ومنه {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}، وغاب عنه ما حكاه الأصمعي وغيره من أقتر بمعنى ضيّق.

{وَكَانَ} إنفاقهم (٢) المدلول عليه بقوله: أنفقوا كائنًا {بَيْنَ ذَلِكَ}؛ أي: بين ما ذكر من الإسراف والتقتير، وهو خبر {كان} كما قدرنا، وقوله: {قَوَامًا} خبر بعد خبر، أو هو الخبر، و {بين ذلك} ظرف لغو لـ {كان} على رأي من يرى إعمالها في الظرف؛ أي: وسطًا عدلًا، سمي به لاستقامة الطرفين واعتدالهما بحيث لا ترجح لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه لكونه وسطًا بينهما كمركز الدائرة، فإنه يكون نسبة جميع الدائرة إليه على السواء. وقرأ (٣) حسان بن عبد الرحمن: {قواما} بكسر القاف، وقرأ الباقون بفتحها، فقيل: هما بمعنى، وقيل: القوام بالكسر ما يدوم عليه الشيء ويستقر، وبالفتح العدل والاستقامة، قاله ثعلب، وقيل: بالفتح العدل بين الشيئين، وبالكسر ما يقام به الشيء، لا يفضل عنه ولا ينقص، وقيل: بالكسر السداد والمبلغ.

والمعنى: أي (٤) والذين هم ليسوا بالمبذرين في إنفاقهم، فلا ينفقون فوق الحاجة، ولا ببخلاء على أنفسهم وأهليهم، فيقصّرون فيما يجب نحوهم، بل ينفقون عدلًا وسطًا، وخير الأمور أوسطها. وقد قيل:

وَلاَ تَغْلُ فِيْ شَيْءٍ مِنَ الأَمْرِ وَاقْتَصِدْ ... كِلاَ طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيْمُ

وقد قيل:


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.