للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سرورها، والمراد به ما يحصل به السرور، فـ {مِن} في قوله: {مِنْ أَزْوَاجِنَا} إما (١) بيانية كما فسّرنا، كأنه قيل: هب لنا قرة أعين، ثم بينت القرة وفسرت بقوله: {مِنْ أَزْوَاجِنَا}، أو ابتدائية على معنى: هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وصلاح، وإنما قيل: {أَعْيُنٍ} على وزن القلة، دون عيون؛ لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، ويجوز أن يقال في تنكير أعين: إنها أعين خاصة وهي أعين المتقين. والمعنى أنهم سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجًا وأعقابًا علماء لله تعالى، يسرون بمكانهم، وتقرّ بهم عيونهم.

{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}؛ أي: اجعلنا أئمة لهم بحيث يقتدون بنا في إقامة مراسم الدين بإفاضة العلم علينا، وبالتوفيق للعمل الصالح. ولفظ {إمام} يستوي فيه الجمع وغيره، فالمطابقة حاصلة. اهـ شيخنا.

وفي "البيضاوي" (٢): وتوحيد {إِمَامًا} لدلالته على الجنس وعدم اللبس، كقوله: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}، أو لأنه مصدر في أصله، أو لأن المراد: واجعل كل واحد منا إمامًا، أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم. وقيل: جمع آثم كصائم وصيام، فيكون من المقلوب، والمعنى: واجعل المتقين لنا إمامًا، واجعلنا مقتدين مؤتمين بهم. قال بعضهم: وفي هذا دليل على أن الرئاسة في الدين مطلوبة مرغوب فيها. والمعنى؛ أي (٣): والذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له، وصادق الإيمان إذا رأى أهله قد شاركوه في الطاعة قرت بهم عينه، وسر قلبه، وتوقع نفعهم له في الدنيا حيًا وميتًا، وكانوا من اللاحقين به في الآخرة، ويسألون أيضًا أن يجعلهم أئمة يقتدى بهم في إقامة مراسم الدين بما يفيض عليهم من واسع العلم، وبما يوفقهم إليه من صالح العمل. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال


(١) النسفي.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.