للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للسحرة {آمَنْتُمْ لَهُ}؛ أي: لموسى، وصدقتم به بصيغة الخبر، ويجوز تقدير همزة الاستفهام كما في الأعراف. وقرأ (١) حمزة والكسائي وأبو بكر وروح: {أأمنتم} بهمزتين أولاهما للاستفهام التقريري المضمن للتهديد {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}؛ أي (٢): بغير إذن لكم من جانبي، كما في قوله تعالى: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} لا أن إذن الإيمان ممكن أو متوقع، ثم قال مغالطًا للسحرة الذين آمنوا، وموهمًا للناس أن فعل موسى سحر من جنس ذلك السحر {إِنَّهُ}؛ أي: إن موسى {لَكَبِيرُكُمُ}؛ أي: لعالمكم وأستاذكم {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} فعلمكم شيئًا دون شيء، ولذلك غلبكم أو فوادعكم على ما فعلتم وتواطأتم عليه قبل أن تخرجوا إلى هذا الموضع، كما قال في الأعراف: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ} أراد بذلك التلبيس على قومه كيلا يعتقدوا أنهم آمنوا على بصيرة وظهور حق. وإنما (٣) اعترف له بكونه كبيرهم مع كونه لا يحب الاعتراف بشيء يرتفع به شأن موسى؛ لأنه قد علم كل من حضر أن ما جاء به موسى أبهر مما جاء به السحرة، فأراد أن يشكك على الناس بأن هذا الذي شاهدتم وان كان قد فاق على ما فعله هؤلاء السحرة .. فهو فعل كبيرهم ومن هو أستاذهم الذي أخذوا عنه هذه الصناعة، فلا تظنوا أنه فعل لا يقدر عليه البشر، وأنه من فعل الرب الذي يدعو إليه موسى، ثم توعد أولئك السحرة الذين آمنوا بالله لما قهرتهم حجة الله، فقال: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}؛ أي: وبال ما فعلتم، واللام (٤) للتأكيد، لا للقسم، ولا للحال، فلذلك اجتمعت بحرف الاستقبال أجمل ما أوعدهم أولًا للتهويل، ثم فصله، فقال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ}؛ أي: أقسمت لكم بقهري وسلطاني لأقطعن منكم أكفكم وأقدامكم حالة كونها من خلاف؛ أي: متخالفات من كل شق طرفًا، وهو أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، وذلك زمانة من جانبي البدن، كما في "كشف الأسرار". وهو أول من قطع من خلاف وصلب كما في "فتح الرحمن".


(١) البيضاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.