وفي ذلك سلوة لرسوله، وعدة له بأنه مهما أوذي من قومه ولقي منهم من الشدائد، فإن الفلج والفوز له. {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} .. أردف هذا ببيان أن هذا القرآن الذي جاء بذلك القصص وحي من الله سبحانه أنزله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل عليه السلام بلسان عربي مبين؛ لينذر به العصاة ويبشر به عباده المتقين، وأن ذكره في الكتب المتقدمة المأثورة عن الأنبياء الذين بشروه.
قوله تعالى:{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (١) بالغ في تسلية رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأقام الحجة على نبوته، ثم أورد سؤال المنكرين وأجاب عنه .. أردف ذلك بأمره بعبادته وحده، وإنذار العشيرة الأقربين، ومعاملة المؤمنين بالرفق، ثم ختم هذه الأوامر بالتوكل عليه تعالى وحده، فإنه هو العليم بكل شؤونه وأحواله.
قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أبان امتناع تنزل الشياطين بالقرآن، وأثبت أنه تنزيل من رب العالمين .. أعقب هذا ببيان استحالة تنزلهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنها لا تنزل إلا على كل كذاب فاجر، ورسول الله صادق أمين، ثم ذكر أن الكذابين يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم، وهو تخيلات لا تطابق الحق والواقع، وبعدئذ ذكر أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس بشاعر؛ لأن الشعراء يهيمون في كل واد من أودية القول من مدح وهجو، وتشبيب ومجون بحسب الهوى والمنفعة، فأقوالهم لا تترجم عن حقيقة، وليس بينها وبين الصدق نسب، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا الصدق، فأنى له أن يكون شاعرًا.
أسباب النزول
قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ...} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي جهم قال: رؤي النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه متحير،